أنْقُل للقارئ خبرا سارا، يمكنك تجميد حياتك للفترة التي تريدها، وتستطيع بذلك أن تؤخر موتك لبعض الوقت، المسألة سهلة: هناك شركات تقوم بتأجيل الحياة أو ترحيل العمر إلى المستقبل!!! وللعلم، فإن العملية صحيحة وليست ادعاء أو خرافة أو خيالا علميا، فقد أُخضع عمليا للتجربة مائة ألف شخص، فيما ينتظر ألف شخص آخر دورهم بعد أن أتموا كل الاجراءات القانونية للخضوع لهذه العملية. وقد ذكرني هذا الإنجاز العلمي الباهر بالمسلسل الإذاعي «الأزلية»، وبوجه خاص شخصية «بَرْنُوخ» التي كانت تتدخل كلما حَامَ خطر مُحدق حول البطل سيف بن ذي يزن فتُجمد أعداءه عن أي حراك. هذه الشخصية أصبحت الآن واقعا ملموسا من خلال شركات عالمية فتحت ورشا لنقل عمر الإنسان إلى الزمن الذي يريده !!! إذا أردت تفسيرا لذلك يقول لك العلماء: إن عملية التجميد تعتمد استخدام البرودة لحفظ الأشخاص باستخدام النتروجين السائل وهي عملية تصبح فيها المادة في حالة زجاجية تشبه الزجاج، وقد نجحت في حفظ وتخزين دم الحيوانات المنوية والأنسجة والخلايا والقرنية، ويضيف هؤلاء أنه بالإمكان توقيف الحياة واستئناف سيرها بعد ذلك متى تم الحفاظ على الخلايا الدماغية بطريقة سليمة، وهي عملية تتم بطريق حفظ الخلايا بالإضافة إلى مواد كيميائية بتركيزات عالية، يُطلق عليها «حوافظ التبريد»، تُجيز تبريدها عند درجة حرارة منخفضة تقل عن 120 فَهْرنْهَايْتْ ولك الخيار أيها الراغب في تجميد حياتك، أن تجمد دماغك فقط، أو جسمك كله، ولكل ثمنه. هذا الإنجاز العلمي الباهر نحتاج إليه، فهو سبيل الخلاص من عدة تراكمات ومواقف حرجة ينفع فيها الجمود! يستطيع المدينون أن يُجمّدوا حياتهم طيلة العمر الافتراضي لدائنيهم ليستيقظوا بعد وفاتِهم فيتملصون من أداء الدين. وتستطيع المرأة الجميلة بدلا من اللجوء إلى عمليات التجميل أن تَسْتَبْعِدَ المشرط وتحافظ على رشاقتها الطبيعية، فتجمد حياتها، ثم تظهر بعد ذلك صبية كما كانت، وبوسع الزوج المقهور من تصرفات زوجته النِّكدية أن يُجمد حياته إلى حين وفاتها، فيحيى بعد ذلك بلا طلاق أو تطليق أو فسخ. ولأن الأمر متروك لتقدير المرء واختياره، فبوسعه أن يجمد أو لا يتجمد مثل الضفادع بحسب الظروف، فإذا أساء رئيسه معاملته، جمّد نفسه إلى حين انتهاء ولايته، ثُمَّ يختار بعدها البقاء جامدا أو يتحرك باعتبار سلوك الوافِدِ الجَدِيدِ، والدول شأنها في ذلك، شأن الأفراد في ربح هذا المكسب، فلها أن تُجمد نفسها متى قهرتها الدول العظمى وتنتظر حظها بطريق الجمود إلى حين أفول شمس هذه الدول، وهي بذلك تستغني عن كل أمور التقدم والازدهار!! في لقاء مع المُفكِر الراحل رشدي فكّار قال لي: إنَّهُ حضر مؤتمرا بإحدى دول آسيا حَوْلَ «الحياة في المريخ»، وفي خضم الجدل الدائر حول إمكانية العيش في هذا الكوكب رفع يده وقال للمؤتمرين: «أرجوكم، أنتم جربتم حظكم في كوكب الأرض ونجحتم فيه، دعونا، نحن دُوَل العالم الثالث، نجرب حظنا في كوكب المريخ، وذلك بترحيلنا إليه فلعَلنَا ننجح فيما فشلنا فيه في الأرض». إيمَاءةٌ من مفكر كبير تعني أن الجمود ليس ظاهرة شاذة في وسط مُتَخَلِّف، ولم يحتج أبناؤه إلى مجهود علمي باهر لتجميد طاقاتهم، بل هي جامدة في معظم المرافق. وسعة الجمود تستغرق الفكر والنشاط العلمي على حد سواء. وتتضاعف أسباب التردي بسبب جمود العنصر البشري وتعطيل مردوديته. إذا كان هدف العلم من تجميد الإنسان هو تحقيق خطوة إيجابية في درب الانجاز العلمي الباهر للقضاء على الأدواء وإطالة الأعمار وإسعاد البشرية، فقد وقف له بالمرصاد فقهاء التَّحريمِ معتبرين ذلك تطاولا على إرادة الله عز وجل، وبموازاة ذلك، فإن حفظ الإنسان في ثلاجة باردة بدون حركة أو نشاط وانفعال والتأثر بالمحيط الدائر بالكائن البشري ضرب من البهتان، عكس ذلك يرى المستنيرون منهم أن نجاح الاختبار في إنقاذ جسم الإنسان من الخلايا والأعضاء المريضة، يتفق والمنهج العلمي في الإسلام. اجْمِد فعل أمر أمكن أن يأتي مفعوله عمليا، وهو يختلف في مدلوله عن فعل الأمر الذي يثبط ويقضى على الملكات والمواهب ويضع الإرادات في مكاتب أشبه بثلاجات باردة تتوقف معها خلايا التفكير عن العمل !! وهو يختلف أيضا عن أمر الفاشل لنفسه دون أمر الآخر بأن يستغل الفرص بدون أي جهد، ويتربع على أعلى المناصب ويتجمد بها إلى أبَدِ الآبدين. هذا الاختراع العلمي لا علاقة له بالروح، فهي من أمر الله عزَّ وَجَلَّ يضع لها حدا، يقول الله تعالى: «ويسألونك عن الروح قُلِ الروح من أمر ربي وما أُوتيتم من العلم إلا قليلا»، صدق الله العظيم. نجح العلم إذن في تجميد الإنسان، فَبُشْرى للجامدين !!!
رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين [email protected]