كشفت الندوة، التي نظمتها لجنة الحقيقة والعدالة في ملف الصحافي توفيق بوعشرين مساء السبت، معطيات كثيرة تتعلق بالمس بقرينة البراءة، سواء من خلال طريقة اعتقاله أو التشهير به. لقد اعتُقل بوعشرين في 23 فبراير من لدن 40 عنصرا من الفرقة الوطنية، من داخل مكتبه، دون أن يكون في حالة تلبس، وقبل الحديث عن وجود الفيديوهات، ولم تُحترم إجراءات التفتيش والحجز أمامه. النقيب، عبد الرحمان بنعمرو، وضح، في مداخلته، أن القانون يفرض ألا يجري الحجز والتفتيش إلا بحضور المتهم، وأن ينجز محضر الحجز أمامه. لكن الذي وقع هو أنه أخرِج من مكتبه، ثم أعيد إليه لمواجهته بمعدات تسجيل وتصوير نفى صلته بها. كما أن محضر التفتيش لم يتضمن إشارة إلى فيديوهات ولا إلى الرقم التسلسلي لمسجل «dvr»، الذي قيل إنه يتضمن تسجيلات الفيديو، ولم يوضع الرقم التسلسلي إلا بعدما قام تقني يشتغل مع الشرطة بتفريغ «dvr» دون حضور المتهم. الحقوقي محمد رضى تساءل: «كيف سنعرف هل الجهاز الذي فرِّغت الأشرطة منه هو نفسه الذي حُجز في المكتب». أيضا لم ترفع البصمات عن الأجهزة للتأكد من وجود آثار لبصمات بوعشرين أو غيره من العاملين معه عليها. وتوقفت المداخلات طويلا عند جريمة «الاتجار في البشر»، التي تعتبر من أخطر التهم الموجهة إلى بوعشرين، فهل شروط هذه الجريمة متوفرة؟ القانون يعرف الاتجار في البشر بأنه «تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك، بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها، أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال». ولا يتحقق هذا الاستغلال «إلا إذا ترتب عليه سلب إرادة الشخص، وحرمانه من حرية تغيير وضعه، وإهدار كرامته الإنسانية، بأي وسيلة كانت، ولو تلقى مقابلا أو أجرا عن ذلك». المتدخلون أجمعوا على أن شروط هذه المادة القانونية، التي وضعت لمحاربة الشبكات الإجرامية التي تشتغل في الدعارة والهجرة، غير متوفرة، وبالتالي، فإن التهمة مبالغ فيها.. مع الأسف، لم يحضر ممثل النيابة العامة الندوة للتفاعل مع المتدخلين، رغم توجيه الدعوة إليها. نور الدين عيوش، الفاعل الجمعوي، قال، صراحة، بعد استماعه إلى المداخلات، إن ملف بوعشرين «مسيس»، واعتبر اعتقاله «خطأ»، ودعا إلى متابعته في حالة سراح. وكل من حضر الندوة دعا إلى احترام الضمانات والمساطر التي ينص عليها القانون، لكن المشكل، كما قال المفكر عبد الله حمودي، هو أن الضمانات والمساطر يمكن أن تضيق وتتوسع بالتأويل، وفي التوسع تحضر الشكوك في الضمانات ويتحول القانون إلى مصدر للتعسف.. معظم من حضر الندوة طالب بالحقيقة، ودعا إلى إطلاق سراح بوعشرين، فهو، كما قال حمودي، «ليس خطيرا»، وتتوفر فيه كل الضمانات ليذهب إلى المحكمة ليدافع عن نفسه، إلا إذا كان الهدف من اعتقاله شيئا آخر. 6