ترجمة: عزيز عليلو بعد دخوله البيت الأبيض كمستشار للرئيس مكلف بالشرق الأوسط، وجد جاريد كوشنر، صهر ترامب نفسه يفتقر لدائرة النفوذ في مختلف مجالات الحكومة التي أدخِل إليها. وكان في حاجة إلى الإرشاد والنصيحة. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير من بين الأشخاص الذين كانوا يقدمون الإرشاد الذي يحتاجه كوشنر، إذ لم يتردد في عرض مساعدته عليه في بعض مبادراته في الشرق الأوسط، وذلك رعاية لمصالحه الشخصية، نظرا لأن بلير كانت لديه مصالح خيرية ودبلوماسية خاصة في الشرق الأوسط. طوني بلير، الذي تربطه علاقة ودية مع كوشنر منذ سنة 2010 حين التقيا لأول مرة، زار كوشنر في البيت الأبيض شهر فبراير 2017. خلال هذه الزيارة، قام بلير، الذي كان آنذاك دبلوماسيا حرا، بإطلاع جاريد كوشنر على مجموعة من المعلومات المثيرة، في محاولة منه إلى إثبات نفسه كشخص قد يكون مفيدا جدا لإدارة البيت الأبيض الجديدة. وقال بلير إن هناك احتمال أن تكون السلطات البريطانية قد تجسست على طاقم ترامب، خلال الحملة الانتخابية، وتنصتت على مكالماتهم الهاتفية، وأنه ربما قد تجسسوا حتى على المكالمات الهاتفية التي كان يجريها آنذاك دونالد ترامب. وجد كوشنر أن ما ورد على لسان بلير يشبه كثيرا نظرية "السبت اليهودي الاستخباراتية" (the Sabbath goy theory of intelligence). النظرية تفيد بأنه لا يمكن لليهود المتدينين إضاءة الأنوار خلال عيد يوم السبت، ولا يمكنهم إخبار شخص غير يهودي بأن يضيئها لهم. لكنهم إن لمحوا بشكل غير مباشر بأنه سيكون بمقدرتهم الرؤية بشكل أفضل في الضوء، وقام شخص غير يهودي بإضاءة الأنوار، فلا بأس بذلك. وخمن كوشنر أن إدارة أوباما ما كانت لتستطيع مطالبة البريطانيين بالتجسس على طاقم الحملة الانتخابية لترامب، لكنها حتما أظهرت إشارات إلى البريطانيين فهموا من خلالها أهمية المساعدة التي يمكن أن يقدموها بتجسسهم على ترامب. حين وصل الخبر إلى علم ترامب، تأججت في ذهنه الشكوك، إذ لم يكن واضحا بالنسبة له إن كانت تلك المعلومات التي كشفها بلير مجرد إشاعات، أم أنها تخمينات مبينة على معلومات غير دقيقة، أو أنها فعلا معلومات مؤكدة. وفي ظل حيرته، أمر ترامب جاريد كوشنر وكبير مخططيه الاستراتيجين آنذاك، ستيف بانون بالتوجه إلى مقرة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بمدينة لانغلي، والاجتماع برئيس الوكالة مايك بومبيو، ونائبة المدير جينا هاسبل، من أجل التأكد من المعطيات المسربة. وفتحت الوكالة تحقيقا في الأمر، وبعد أيام ردت على البيت الأبيض بجواب يشوبه بعض الغموض، إذ قالت إن تلك المعلومات خائطة وأنه قد حدث "سوء تفاهم،" دون شرح ما تقصده بسوء التفاهم. لكن وبالرغم من نفي وكالة الاستخبارات المركزية لصحة المعلومات، استمر ترامب في الحديث عن الأمر في اتصالاته الليلية، التي كانت بمثابة روتين يومي بالنسبة له، وتحدث تكرارا عن المعلومات التي سربها طوني بلير، معلقا على ذلك بالقول: "لقد أصبح كل شيء واضحا الآن ! لقد تآمروا علي." وفي مساء يوم 3 مارس 2017، شاهد الرئيس ترامب مقابلة تلفزيونية للرئيس الجمهوري لمجلس النواب الأميركي، بول راين، على قناة فوكس نيوز. وتحدث الصحفي خلال المقابلة مع ضيفه بشأن تقرير نشر على موقع سيركا الإخباري، الذي تملكه المجموعة الإعلامية المحافظة سينكلير، والذي كشف أن برج ترامب كان خاضعا للتجسس، خلال الحملة الانتخابية. وفي الصباح الباكر من اليوم الموالي 4 مارس، نشر ترامب سلسلة تغريدات على تويتر يتهم فيها أوباما بالتجسس على مكالماته الهاتفية في برج ترامب خلال الحملة الانتخابية، واصفا ذلك بالعمل الدنيء، وذلك دون أن يتحرى دقة المعلومات. وعند الساعة السابعة إلى عشرون دقيقة صباحا، اتصل ترامب برئيس الخدم بالبيت الأبيض رينس بريبوس، وأيقظه من نومه قائلا: "هل اطلعت على تغريداتي؟ لقد أمسكناه [أوباما] بالجرم المشهود." وحسب قناة سي إن إن، فقد نفى مسؤولان أمريكيا كبيران سابقان اتهامات ترامب على الفور، وقال أحدهما إن هذه الاتهامات مجرد "هراء." وكانت واقعة التغريدات نقطة تحول داخل البيت الأبيض، إذ أصبح المقربون من ترامب، الذين كان دورهم هو الدفاع عنه، يشعرون بالخجل للقيام بعملهم بسبب تصرفاته..