تزامنا مع مرور سنة على اعتقال نشطاء حراك الريف، خرج عشرات الحقوقيين مساء أول أمس الأحد للاحتجاج أمام ساحة الأممالمتحدةبالدارالبيضاء، مطالبين بتعجيل إطلاق سراح المعتقلين وكافة المعتقلين السياسيين. الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها لجنة دعم معتقلي حراك الريف ومُبادرة الحراك الشعبي بالبيضاء، حضرتها وجوه من حزب النهج الديمقراطي وجماعة العدل والإحسان. وقفة أول أمس، تأتي بعد مرور سنة على حملة الاعتقالات التي طالت نشطاء حراك الريف، ومرور أزيد من تسعة أشهر على انطلاق محاكمات المعتقلين في الدارالبيضاء، والتي جعلت مراقبين دوليين وحقوقيين يسجلون خلو ملف المتابعة من أي دليل إدانة ضد النشطاء القابعين خلف أسوار سجن عكاشة. في الوقت الذي علقت أسر المعتقلين أملها على مجموعة من الوسطاء، زعموا قدرتهم على إيجاد حل للملف، وقدم بعضهم نفسه أنه مبعوث من جهات عليا كرجل الإشهار المعروف، نور الدين عيوش. فزاروا المعتقلين داخل السجن وباعوهم وهم إطلاق سراحهم، اتضح لاحقا للأسر المكلومة أن ذاك لم يكن سوى "تكتيكا" يخدم جهات أخرى كانت في أمس الحاجة إلى تهدئة الوضع إذ ذاك، وحين قررت التصعيد انسلخ الوسطاء المزعومون الذين باتت تصفهم الأسر ب"الشناقة". واقعة المسجد.. ذريعة الاعتقال في ال 26 من شهر ماي سنة 2015، حوالي الساعة السابعة والنصف صباحا، اقتحمت عناصر الأمن منزلا آمنا كان داخله ناصر الزفزافي، حيث أوقفته رفقة الناشطين محمد الحاكي وفهيم هزاط، والسبب زعم تعطيله صلاة الجمعة بمسجد محمد الخامس بمدينة الحسيمة، هذه الواقعة رويت في قرار الإحالة بشكل مخالف تماما لما سرده الزفزافي أثناء مثوله أمام القاضي خلال جلسات الاستماع إليه، ورد على ما اعتبره "أكاذيب وشهادات زور" استهدفته للنيل من سمعته ولإيجاد مسوغ لاعتقاله، إذ ذكر أمام القاضي بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء أن أخاه الأكبر، طارق الزفزافي، اتصل بوالدته وأكد لها أن خطبة يوم الجمعة المعممة على مساجد مدينة الحسيمة وضواحيها تم تسريبها وستتناول موضوع الحراك، مخبرا إياها أن بعض الخطباء رفضوا تعرضهم لها، تجنبا لترهيب الناس، طالبا منها منع ناصر من الصلاة في المسجد. الزفزافي أكد أنه كان ينصت إلى الخطبة من داخل بيته، خلافا لما زعم البعض أنه أنصت إليها من داخل المسجد رفقة المصلين، موضحا أنه توجه صوب المسجد عندما بدأت معالم "الخطبة التحريضية" تلوح، فوجد المصلين شرعوا في الانسحاب احتجاجا، مضيفا، "المنبر مكان لتدارس مشاكل الأمة ومناقشة هموم المواطنين وليس لتمرير المغالطات وممارسة السياسة". خطبة الإمام التي تسببت في اعتقال الزفزافي اعتبرها المعتقل مخالفة للقانون المنظم للقيمين الدينيين، وتتعارض مع مضامين الفصل 41 من الدستور الذي يمنع إصدار فتاوى خارج إطار مؤسسة المجلس العلمي، مشيرا إلى أنها كانت محبوكة لاستفزازه ونشطاء الحراك، مضيفا أن "الأسلم كان هو استدعاء النيابة العامة لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية". الزفزافي الذي نفى أن يكون حرض المواطنين خلال الواقعة أو أشار عليهم بالقيام بممارسات عنيفة، قال إن "شروط الإمامة لا تتوفر فيه"، ليستفسره القاضي، "بأي صفة تفتي بعدم توفر شروط الإمامة في خطيب الجمعة؟" فأجابه "بصفتي مسلما ومواطنا مغربيا". مباشرة بعد اعتقال الزفزافي، شنت عناصر الأمن عشية الجمعة 26 وصباح السبت 27 من سنة 2017 حملة اعتقالات واسعة في صفوف نشطاء الحراك، شملت الوجوه البارزة، منها محمد جلول الذي اعتقل من أمام منزل عائلة زوجته بالحسيمة، ومحمد المجاوي، وأشرف اليخلوفي، والحسين الإدريسي، إضافة إلى كل من عصام اشهبار، ومحمد بولعراصي، وإلياس الحاجي، وأيمن فكري، وعبد الإله بن سيعمار، وخالد الشيخ، كما تم اعتقال أربعة نشطاء من منطقة تلارواق التابعة لجماعة اساكن، وهم، صالح لشخم، وعبد الشافي بوكرمة، ورشدي بوتكورة، وجواد زيتاح. جلسات المحاكمة.. سمعة سيئة منذ استهلال جلسات محاكمة معتقلي الريف قبل تسعة أشهر، تردد صدى سلبي لدى الرأي العام حولها بسبب تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والملاحظين، الذين آخذوا غير ما مرة ما وصفوه ب"غياب شروط المحاكمة العادلة"، فضلا عن انتقاد هيأة دفاع المعتقلين الطريقة التي تدار بها الجلسات واتهام عدد من المعتقلين هيأة الحكم ب"عدم الحياد والانحياز"، ووصفهم أطوار المحاكمات ب"المسرحية الهزلية". التجريح في حياد المحكمة سيبلغ ذروته خلال مرحلة الاستماع للشهود، إذ انتقد ناصر الزفزافي "إجابة المحكمة بدل الشاهد"، وآخذ أعضاء دفاعه ما وصفوه ب "توجيه الشهود من لدن النيابة العامة"، واعتبروا "تصريحاتهم متناقضة وتنم عن كذبهم وتدليسهم واتهامهم الباطل للمعتقلين"، ونتيجة لهذا ستشهد إحدى الجلسات تسجيل محضر خاص للزفزافي بسبب اتهامه المحكمة بعدم الحياد.
الطريق إلى 20 يوليوز مبتدأ نار اليوم الدامي، كان من مستصغر شرر دعوات متفرقة للتجمهر بمدينة الحسيمة، يوم العشرين من يوليوز، بغية تنظيم مسيرة حاشدة، تنديدا بتماطل المسؤولين في الإستجابة الناجعة للمطالب الاجتماعية، وضغطا من أجل إطلاق سراح النشطاء المعتقلين على خلفية ذلك، الدعوات لقيت استجابة سريعة وتجاوبا واسعا من قبل كثير من المواطنين، لكنها في المقابل، قوبلت بالمنع من طرف السلطات الأمنية. اصطدام عزم النشطاء على الاحتجاج بقرار الداخلية، صنع خميسا استثنائيا، وسم مدينة الحسيمة بالدم والعنف، وشكل منعرجا فارقا في مسار الحراك، بعد تحدي النشطاء قرار المنع وخروجهم إلى الشارع تزامنا مع عودة مهاجري المنطقة إليها. إشهار وزارة الداخلية ورقة المنع من جديد، اعتبرها ملاحظون دليلا على استمرار التعاطي مع الحراك وفق مقاربة أمنية محضة، خاصة وأن التعليل لم يكن مقنعا في نظرهم، وهو "عدم احترام المساطر القانونية المعمول بها، حيث لم تتوصل السلطة الإدارية المحلية المختصة بأي تصريح في الموضوع"، وكون "الفعاليات أو ما يطلق عليه ب"التنسيقيات" التي تقف وراء هذه الدعوة لا تتوفر على الصفة القانونية التي تخول لها تنظيم المظاهرات بالطرق العمومية، وهو ما يعد مخالفة صريحة لمقتضيات الفصل الحادي عشر من ظهير التجمعات العمومية، الذي خول هذا الحق، على سبيل الحصر، للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والهيئات المهنية والجمعيات المصرح بها بصفة قانونية". ولأن مصدر المنع يعرف جيدا طبيعة علاقته بالنشطاء، ويقدر مدى استجابتهم وباقي المواطنين لقراره، فقد سعى لإضفاء الشرعية السياسية على القرار، عبر دعوة أحزاب الأغلبية الستة إلى اجتماع مستعجل يوم الاثنين 17 يوليوز 2017، توج ببلاغ زكى موقف الداخلية ودافع عنه، وحث من خلاله المجتمعون على "التفاعل الإيجابي مع القرار القاضي بعدم السماح بتلك المظاهرة، حفاظا على أجواء الهدوء وعلى مستلزمات النظام العام". مبررين ذلك ب "الحيلولة دون أي تصعيد لما قد يكون له من انعكاسات على ساكنة الحسيمة واقتصادها المحلي". بعد ذلك، تناسلت ردود الفعل المعقبة على القرار وغطائه السياسي، وقبل الحديث عن موقف النشطاء، نذكر أنه شكل نقطة نقاش ساخنة يوما بعد اجتماع الأغلبية، خلال جلسة برلمانية، نوقشت فيها قضية التدخلات الأمنية ضد المتظاهرين، وكذا قرار الداخلية، حيث أبدت مجموعة من النواب رفضها له، وحذرت من عواقبه. وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، دافع عن القرار باعتبار الجهة المنظمة للمسيرة مجهولة، وعدم وجود مخاطب باسمها أو مسؤول عنها، قائلا "لا يمكن تنظيم مسيرة في مدينة الحسيمة التي عاشت كسادا اقتصاديا، دون أن نعرف المسؤول عنها". التي عاشت كسادا اقتصاديا، دون أن نعرف المسؤول عنها"