اعتبر المحامي والحقوقي البارز عبد الرحمان بن عمرو أن عددا من الخروقات الجسيمة شابت قضية الصحافي توفيق بوعشرين مدير نشر جريدة "أخبار اليوم" وموقع "اليوم 24″، لا على مستوى إيداعه السجن أثناء إجراء البحث التمهيدي، أو بخصوص إجراءات التفتيش، ولا على مستوى إحالته للمحاكمة في حالة اعتقال. وفي حوار له مع قناة "الأنباء بوست" الإلكترونية، اعتبر بن عمرو أن محاكمة بوعشرين ليست غريبة أو مستقلة عن العديد من المحاكمات السابقة لصحافيين ومعارضين سياسيين في المغرب منذ الإستقلال، عوقبوا بسبب انتقادهم للوضع، ولاختيارات الحكم، ومن أجل فضحهم للفساد، إما عن طريق ملفات جنائية أو غرامات باهضة. كما سجل بن عمرو أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تجاوزت اختصاصاتها في قضية بوعشرين، حيث لا يحق لها التحقيق في التهم المنسوبة إليه، معتبرا أن بطلان تدخلها ينتج عنه أيضا بطلان المحاضر التي أنجزتها. كما سجل أيضا خروقات شابت اقتحام مكتب هذا الأخير، وتهديد الفرقة للسر المهني لجريدة "أخبار اليوم". سؤال الضمانات القانونية وانطلق بن عمرو بالتساؤل عما إذا كانت الضمانات القانونية قد توفرت في ملف بوعشرين سواء في المرحلة التمهدية أو خلال التفتيش، وهو الأمر ذاته بالنسبة للضمانات المتعلقة بالمتابعة فيما بعد. وأكد المتحدث أن قانون المسطرة الجنائية لا يسمح للنيابة العامة بإيداع المتهم السجن في المرحلة التمهيدية، كما لا يسمح بإحالته إلى المحاكمة في حالة اعتقال إلا في حالة التلبس، مضيفا:"وحسب الوقائع التي تكلم عنها الدفاع فإن حالة التلبس غير متوفرة". الخرق الأول .. الإعتقال بناء على شكايات وشدد بن عمرو على أن حالة التلبس منصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية في المادة 56 على وجه الحصر، مؤكدا أن هذه الحالة تستوجب "أن يلقى القبض على المتهم خلال ارتكابه للجريمة، أو على إثر ارتكاب الجريمة، أو أن يكون قد ارتكتبها وهو في حالة فرار والجماهير تتبعه للقبض عليه ، أو أن يتم اعتقاله وفي يديه أدوات الجريمة". وأضاف بن عمرو، أنه وفي غياب التلبس لا يحق للنيابة العامة أن تتابع المتهم في حالة اعتقال، ولا أن تحيله على المحكمة في حالة اعتقال حسب القانون. كما استغرب من اعتقال بوعشرين بناء على شكايات مقدمة ضده، مؤكدا أن "الشكايات لا تعتبر ركنا من أركان التلبس"، وفق ما نص عليه قانون المسطرة الجنائية، مضيفا أنه "ولو كان الأشخاص يعتقلون بناء على شكايات لكان الآلاف منهم حاليا معتقلين ويقدمون كذلك للمحاكمة". استثناء في الإعتقال.. افْتُقِدَتْ شروطه بنعمرو سجل أن هناك استثناء خارج حالة التلبس يمكن للنيابة العامة أن تتابع فيه المتهم في حالة اعتقال وأن تحيله على هذه الحالة إلى المحاكمة، لكنه شدد على أن هذا الإستثناء مشروط بعدم وجود ضمانات لحضور المتهم، أي ألا يكون لديه مسكن معروف، أو ألا يكون لديه مقر عمل. وسجل المتحدث على أن "بوعشرين شخص معروف ولديه مسكن، فلم يكن هناك من مبرر لمتابعته في حالة اعتقال أو تقديمه للمحاكمة في حالة اعتقال من طرف النيابة". الخرق الثاني.. الفرقة الوطنية غير مختصة كما تساءل بن عمرو عما إذا كان يحق للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، التحقيق في الجرائم المنسوبة لتوفيق بوعشرين، بعد أن اقتحم عدد كبير من عناصرها مكتبه بالدار البيضاء. وسجل أنه "وحسب الفصل 20 من قانون المسطرة الجنائية المعدل، لا يسمح للفرقة الوطنية للشرطة أن تجري الأبحاث التمهيدية بناء على طلب النيابة العامة إلا في حالات جرائم الإرهاب، أو جرائم الأشخاص "القتل، التسميم، الإختطاف، الرهائن، الإتجار في المخدرات، أو المس بالأمن الداخلي"، قبل أن يضيف: "جميع هذه الحالات لا تتوفر فيما نسب إلى السيد توفيق بوعشرين ولا تنتمي إلى هذا الإطار". وتابع قائلا إن ذلك يترتب عليه أن "الفرقة الوطنية غير مختصة للبحث في قضايا الجنس أو قضايا مماثلة، وبالتالي، يعتبر تحقيقها مع السيد توفيق بوعشرين خارج عن اختصاصاها .. وحينما تخرج الفرقة الوطنية عن اختصاصاتها التي يخولها لها القانون تكون محاضرها غير مؤثرة وغير منتجة وبالتالي باطلة". الخرق الثالث: اقتحام المكتب وتفتيشه خارج القانون جريمة يعاقب عليها كما أكد أن النقطة الثالثة في الموضوع هي: "هل توفرت شروط اقتحام مكتب بوعشرين وتفتيشه وجمع الدلائل؟" وسجل المتحدث أن "المشرع في قانون المسطرة الجنائية وفي الدستور حمى المنازل وكذلك مقرات العمل، بل إنه هناك في حالة اقتحام المنازل أو مقرات العمل بدون حق ولا قانون يعتبر جرائم معاقب عليها". وزاد بن عمرو أن "تفتيش المنازل كما جاء في قانون المسطرة الجنائية يفرق المشرع فيها بين حالة التلبس وغيرها"، مشيرا إلى أنه"في حالة التلبس يجب إشعار النيابة العامة فقط" أما في غيابه (التلبس) فيقتضي الأمر موافقة المعني بالأمر صاحب مقر العمل، وهي موافقة "يجب أن تكون كتابية". حفظ السر المهني أثناء التفيش كما سجل بن عمرو أنه وعند إجراء التفيش يجب المحافظة على السر المهني للمكتب الذي تم تفتيشه، "لأن مقرات الصحف تضم أسرارا للمتعاملين مع الصحيفة، بالإضافة إلى أن هناك مقالات بها إفادات لأشخاص يتحفظون على ذكر أسمائهم ولا ينبغي كشفها"، يضيف المتحدث، مسجلا "أن الأمر يحتاج إلى إشعار النيابة العامة، وإلى إثباث هذا الإشعار كتابة، وأن تثبت أنها حافظت على السر المهني للمكان الذي فتشت فيه". وأكد أن عدم احترام الإجراءات القانونية في التفتيش يترتب على مخالفتها "بطلان الإجراء وبطلان كافة المسطرة الخاصة بالتفتيش أو المتعلقة بالبحث التمهيدي، ويترتب عليها أن المحاضر باطلة، وما يترتب عن هذه المحاضر أيضا يعتبر باطلا بدوره". أسئلة تطرحها الخروقات وجوابا على سؤال حول ما إذا كانت هناك خلفية سياسية في الملف للإنتقام من قلم مزعج قال بن عمرو إنه "عندما يتم التفتيش بدون توفر الشروط القانونية، وعندما يحال في حالة اعتقال بدون توفر حالة تلبس، وعندما تنسب إليه جنايات كبيرة بهذه السرعة، فإن عددا كبيرا من الأسئلة تطرح". وأضاف "حسب قول فقهاء القانون الخطأ الجسيم في تطبيق القانون يساوي سوء النية، سواء من طرف النيابة العامة أو المحكمة، وحال ذلك توضع علامة استفهام". وتابع: "من الطبيعي ان تقع أخطاء، ولكن حينما يكون الخطأ جسيما، وتصنع تهم، أو أن تكون التهمة جنحة وتحول إلى جناية، وكذلك عندما يحال على المحكمة في حالة اعتقال بدون أن تتوفر شروط ذلك، نتساءل هل هذا خطأ قانوني كبير، أم خطأ عمدي غير مبرر"، مضيفا "المفروض في القضاء ألا يرتكب الأخطاء الجسيمة". متابعة بوعشرين والخلفيات السياسية وبخصوص خلفيات سياسية قد تكون وراء الملف سجل بن عمرو أن "بوعشرين وكما قال دفاعه كان معروفا عنه أنه صاحب افتتاحيات لاذعة تنتقد الحكومة وتنتقد بعض الأشخاص"، وعرفه عنه أيضا تطرقه "لموضوع تشكيل الحكومة وما أحاط به من ملابسات وألاعيب، كان يتعرض على أشخاص معينين وكانت لا ترضي أطرافا نافذة" "كما نقل عنه المحامون أنه طُلب منه ألا يتكلم عن شخصين". ولذلك، يضيف بن عمرو فإن "العديد من المتابعين يتساءلون هل وراء هذه المتابعة التي وقعت أثناءها خروقات (خروقات للدستور، وكذا للمبادئ الأساسية لقانون المسطرة الجنائية، وقد تكون هناك أيضا خروقات في تكييف الوقائع على مستوى القانون الجنائي) تطرح تساؤلا ما إذا كانت هناك خلفيات وراء الموضوع". وبخصوص نزاهة المحاكمة، قال بن عمرو إنه يتمنى من القضاء أن يتحمل مسؤولياته، لكنه سجل أن "المناضلين الذين عاشوا وتوبعوا من طرف القضاء كانوا دائما يشتكون من أن القضاء المغربي على مختلف مستوياته لم يكن قضاء مستقلا، وأنه كان في غالب الأحيان تحت تأثير السلطة، وكانو يشتكون، في محاكمات سياسية أن محاضر الشرطة القضائية زورت ضدهم على مستوى الوقائع (…) وأن الأحكام كانت تحت تأثير وتوجيهات وضغط السلطة التنفيذية (..) فالقضاء كان ولازال محل انتقادات على مستوى المتابعة وعلى مستوى أحكامه". وتابع قائلا: "وهذه المحاكمة ليست غريبة أو مستقلة عن العديد من المحاكمات السابقة للعديد من المعارضين السياسيين في المغرب". خلفيات سياسية هدفها القمع التهديد كما اعتبر أن "الخروقات القانونية التي قامت بها الشرطة القضائية والمتابعات التي طالت عدد من المناضلين في تاريخ المغرب كانت دائما من ورائها خلفيات سياسية ترمي إلى القمع والتهديد وغايتها قمع للصحافة وخنق حرية الرأي التعبير، وهذا الأمر تم تجريبه في العديد من المتابعات منذ الإستقلال حتى الآن". وتابع قائلا :"كان ضحيتها مناضلون صحافيون توبعوا من أجل انتقادهم للوضع وانتقادهم لاختيارات الحكم، ومن أجل فضحهم للفساد وهيئت لهم ملفات، أحيانا من أجل متابعات جنائية، وأحيانا صدرت في حقهم غرامات باهضة أدت إلى توقيف منابرهم". المحاكمة العادلة وبخصوص إمكانية إخضاع بوعشرين لمحاكمة عادلة قال بن عمرو: "إذا لم تتوفر الضمانات القانونية من حيث النصوص ومن حيث تطبيق هذه الأخيرة تطبيقا صحيحا فلا وجود لمحاكمة عادلة". أما عن تقييمه للوضع الحقوقي بشكل عام، وحرية الصحافة بالمغرب، فشدد بن عمرو على وجود تراجعات على عدة مستويات. وأضاف: "رأينا هذه التراجعات في الغرامات الثقيلة التي صدرت في حق المؤسسات الصحافية، وكذا المتابعات في حق الصحافيين، ومتابعة المعارضين، وسابقا ناشطي 20 فبراير صنعت لهم تهم".