الصراع الأمريكي السوفيتي كان مسيطرا على كل شيء قبل انهيار الأخير، حتى تنافس منتجات البلدين كان واضحا، لكن تفوق تلك الأمريكية على نظيرتها السوفيتية اتضح بعد تفكك الإمبراطورية الاشتراكية. فعلى سبيل المثال، لا يوجد شخص يفكر بشكل منطقي يفضل سيارة "لادا" الروسية على "شيفروليه" الأمريكية. ولكن هناك استثناءات قليلة حدثت في المجال العسكري، والذي خصص السوفيت لصالحه جزءا غير ضئيل من مواردهم. فاليوم، بالنظر إلى الوراء، ندرك أن أكبر انتصار حققته الهندسة السوفيتية، لم يكن القنبلة الذرية التي بنتها عام 1949، أو إطلاق أول قمر صناعي عام 1957، أو حتى خروج أول إنسان إلى الفضاء في عام 1961. – حتى اللحظة، تعتبر بندقية "إيه كيه 47" أو "الكلاشنيكوف" هي أبرز انتصار حققه الروس ضد الأمريكان في سباق التسليح الدائر بين البلدين منذ الحرب الباردة. الأشهر والأكثر مبيًعا – "الكلاشنيكوف" يعتبر أشهر قطعة سلاح في التاريخ، فهو في كل مكان في العالم، وسبب انتشاره، هو تفوقه على كل الأسلحة في فئته في كل شيء تقريبًا. فهو خفيف الوزن، سهل التفكيك والتنظيف وإعادة التجميع، ويتحمل الرطوبة والرمال الصحراوية والبرد القاسي. ولكن ربما أخطر ما يميز هذه البندقية هو أنها لا تحتاج إلى تدريب لاستخدامها، حيث إنه بإمكان طفل غير مدرب قتل 100 رجل بها. – على مدار التاريخ، لا يوجد سلاح تسبب في مقتل بشر أكثر من الكلاشنيكوف. فقد استخدمته الجيوش والمليشيات في كل الحروب والنزاعات المسلحة تقريبًا، واستخدمته أيضًا أنظمة ضد المدنيين، كما حدث في برلين وبودابيست وبراغ وتبليسي وألماتي وبكين وباكو وبشكيك، وقائمة طويلة من الأماكن الأخرى التي استخدمت فيها الأنظمة العنف لإحكام قبضتها على السلطة. – حتى الولاياتالمتحدة، اشترت كميات كبيرة من هذه البندقية لقواتها المشاركة في احتلال العراق وأفغانستان. كما تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بتدريب موظفيها المدنيين على استخدام الكلاشنيكوف كجزء من تدريبهم على الإخلاء في مناطق الحرب. – لكن كيف أصبحت "إيه كيه 47" عنصرًا أساسيًا في كل الحروب والنزاعات المعاصرة، تمامًا مثل أنظمة تشغيل مايكروسوفت بالنسبة لحوسبة الشركات؟ – الضابط السابق بسلاح البحرية الأمريكي ومراسل صحيفة نيويورك تايمز "سي جيه تشيفرز" في كتابه "البندقية" يروي قصة السلاح الأكثر مبيعًا في كل العصور، والذي يتداول منه حاليًا حوالي 100 مليون نسخة تقريبًا (لا أحد يعرف الرقم الدقيق)، وهو الرقم الذي يقترب من 10 أضعاف حوالي 10 ملايين قطعة تم إنتاجها من بندقية الاقتحام الأمريكية "إم 16" التي تم تطويرها لتنافس الكلاشنيكوف. المصمم .. رقيب مغمور – إن أصول "إيه كيه 47" (الرقم 47 نسبة إلى سنة إنتاجها وهي 1947) محاطة بنوع من الغموض الذي لا يمكن اعتباره غير مألوف بالنسبة لأي مؤرخ يحاول البحث في قضايا تتعلق بالحرب الباردة في روسيا. – الرجل الذي ينسب له الفضل في اختراع "إيه كيه 47" هو "ميخائيل كلاشنيكوف" (مواليد 1919)، رقيب من أصول متواضعة جرح أثناء قيادته لدبابة من طراز "تي 34" في معركة ضد الألمان في عام 1941، قضى بعدها أشهر في المستشفى، تمكن خلالها من قراءة موسوعة للأسلحة النارية، ليبدأ سعيه لتصميم سلاح من شأنه أن يعطي سلاح المشاة بالجيش الأحمر ميزة على أعدائه في أرضية الميدان. – قبل ذلك التاريخ بعقود، ظهر "رشاش ماكسيم" والذي كان قادرًا على إطلاق 600 طلقة في الدقيقة الواحدة بمجرد الضغط على الزناد، ولكنه كان غير عملي كسلاح يستخدمه الجنود الأفراد، لذلك بدأ البحث عن سلاح فعال يمكن للأفراد التعامل معه بسهولة. – بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت القنبلة النووية قد جرى تطويرها واستخدامها، لكن الجيوش والدول كانت لا تزال تحاول تطوير سلاح بسيط لجنود المشاة، يتمتع بسرعة رشاش "ماكسيم"، ولكن بشرط أن يكون خفيفًا. – بدأ الاتحاد السوفيتي في محاولة لتصميم بندقية آلية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وحينها كان "ميخائيل كلاشنيكوف" رقيبًا مغمورًا يبلغ من العمر 26 عامًا، لم ينل حظه من التعليم الرسمي، ولم يكن لديه سوى سنوات قليلة من الخبرة في تصميم الأسلحة. – ترأس "كلاشنيكوف" فريقًا من المهندسين يتنافس مع عدد من الفرق الأخرى التي كان يترأس معظمها مصممو أسلحة ذوو خبرة للفوز بمسابقة تصميم بندقية آلية. وبعد عامين من الاختبارات التنافسية تم خلالها إجراء الكثير من التعديلات على التصميم الأولي، ظهرت "إيه كيه 47". – النتيجة كانت سلاحا عمليا مضمونا يعمل في أقسى الظروف، بغض النظر عن الإهمال وسوء المعاملة، وهو خفيف (يزن أقل من 5 كيلوجرامات). وبدأ الإنتاج الضخم ل"إيه كيه 47″ في عام 1950، أي قبل 15 عامًا من إنتاج الولاياتالمتحدة لبندقيتها الآلية "إم 16". وهي نتيجة منطقية بالنظر إلى أن كل موارد الاتحاد السوفيتي كانت خلف هذا المشروع. في 20 مصنعا حول العالم – أنشأ الاتحاد السوفيتي، مصانع لإنتاج البندقية في دول حلف وارسو (بلغاريا وألمانيا الشرقية وبولندا ورومانيا والمجر وتشيكوسلوفاكيا) وجمهورية الصين الشعبية، وفي دول مثل مصر والعراق، والتي كان يتمتع فيها السوفيت بشكل من أشكال التأثير. وتم تصنيعه في حوالي 20 مصنعًا حول العالم. – أول استخدام ميداني للكلاشنيكوف كان أثناء الغزو السوفيتي للمجر عام 1956، ومنذ ذلك الحين وأصبحت ال"إيه كيه 47″ هي أداة القتل الرئيسية في العالم، أو "بندقية كل رجل" كما يقول "تشيفرز". – وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام تبلغ قيمة التجارة العالمية السنوية للأسلحة الصغيرة والخفيفة، بما في ذلك بندقية "إيه كيه 47" أكثر من 8.5 مليار دولار، ويشارك في إنتاجها أكثر من ألف شركة حول العالم. – كما يتم تصنيع نحو 12 مليار رصاصة سنويًا، وهو ما يكفي لإطلاق النار على كل فرد على هذا الكوكب مرتين تقريبًا. وإجماليًا، تقترب قيمة التجارة العالمية في الأسلحة، بداية من "إيه كيه 47" ومروراً بالدبابات وانتهاء بالطائرات المقاتلة، حوالي 100 مليار دولار سنويًا. – أشارت منظمة العفو الدولية إلى أنه من العبث أن تكون التجارة العالمية في الموز أكثر تنظيمًا من تجارة بندقية "إيه كيه 47". – في عام 2016، سجلت الشركة الروسية المصنعة لبندقية الكلاشنيكوف مبيعات بقيمة 18.3 مليار روبل (313 مليون دولار)، بينما بلغت أرباحها حوالي 3 مليارات روبل (51 مليون دولار). – أخيرًا، إذا كان "ميخائيل كلاشنيكوف" لم يولد قط، أو لو مات متأثرًا بجروحه حين أصيب عام 1941، أو سلك طريقا آخر في حياته، هل كنا سننتظر تصنيع سلاح مثل "إيه كيه 47″؟، ربما كان سيبدو مختلفًا قليلًا أو كان سيعمل بطريقة مختلفة، لكن العوامل التي تسببت في تصميم هذا السلاح وانتشاره بهذه الصورة كانت لا تزال موجودة. أي أنه كان سيكون لدينا اليوم "كلاشنيكوف" ولو باسم آخر.