توفي أول أمس الاثنين ميخائيل كلاشنيكوف، مخترع السلاح الروسي الأسطورة الذي حمل اسمه عن عمر يناهز 94 عاما. ولد في 10 نوفمبر 1919 لأسرة فقيرة أنجبت 18 طفلا، وكان هو أحد الثمانية الذين بقوا على قيد الحياة. وبدأ حياته المهنية عندما عمل فنيا في محطة للقطارات في كازاخستان حيث تعلم الكثير عن الميكانيك. وفي سنة 1938 انضم كلاشنيكوف للجيش وعمل في وظيفة تقني لدبابة هجومية وفي هذا الموقع أظهر مهاراته العالية في ميدان تصنيع الأسلحة، إذ اخترع وهو ابن عشرين سنة بعض التجهيزات التي لاقت استحسانا كبيرا. مع اندلاع الحرب العالمية الثانية شارك كلاشنيكوف في معركة بريانسك سنة 1941 ضد الألمان وجرح خلال المعركة، ثم نقل بعدها إلى أحد المستشفيات الروسية لتلقي العلاج، وعن تلك الفترة يقول: «هناك ورغم الآلام التي كنت أعانيها بسبب جروحي كانت هناك فكرة وحيدة تسيطر على ذهني طيلة الوقت، وهي كيف يمكن اختراع سلاح يسمح بقهر الفاشيين». وبعد جهود استمرت خمس سنوات توصل كلاشنيكوف إلى اختراع البندقية الرشاشة الهجومية AK-47 التي حملت اسمه. لعبت الصدفة دورا كبيرا في اختراعه السلاح، إذ وجد مسدسا ألمانيا قديما أصابه الصدأ، وبدأ يقضي وقته في محاوله لتفكيك وتصليح هذا المسدس، لكنه تعرض للاعتقال بتهمة تصنيع سلاح، وشاءت الصدف أن تنظم الحكومة سنة 1945 مسابقة لتصميم سلاح يمتاز بخفة الوزن وسرعة الرمي ودقة الإصابة فقرر أن يشارك فيها، فأعد التصاميم اللازمة للسلاح وأرسلها إلى اللجنة المسؤولة وكان برتبة عريف، وبعد فترة فوجئ بقبول التصميم وطلب منه الحضور لتصنيع نموذج أولي وفق التصميم بشرط ألا يتم تغيير أو إضافة أو إلغاء أي جزء خلال التصنيع. ولكن كلاشنيكوف وأثناء التصنيع وجد أنه لابد من التغيير وتمكن من إقناع اللجنة بأن التغييرات هي مجرد تحسينات للتصميم وقد غيرت من أداء الرشاش بشكل كبير جدا ونقلته نقله نوعية جعلت منه أشهر سلاح في القرن العشرين. بعد أن اتخذ القرار بأن تدخل البندقية (AK47) في الخدمة الفعلية سنة 1949 ويعني الحرف A أوتوماتيك والحرف K يعني كلاشنيكوف و47 تعني سنة الصنع. تقول إيلينا جولي وهي صحفية كانت مسؤولة عن «المجال السوفياتي في دار نشر «آلت سود» وأصدرت كتابا تحت عنوان «الموت الثالث لستالين». «ما هو الاسم الروسي الذي يتردد أكثر من غيره في العالم؟ إنه ليس لينين أو ستالين أو غورباتشوف كما قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى وإنما هو اسم «كلاشنيكوف»».. كان «كلاشنيكوف» الرجل بمثابة «بطل وضحية» في الوقت نفسه لفترة رهيبة كما تصفه إيلينا، التي تؤكد بأنها وجدت نفسها مذهولة من اتساع وعمق ثقافة هذا الرجل، الذي تبدو الانفعالات بقوة على وجهه عندما يتحدث عن شيء يحبه، إذ «خلف السلاح الذي يعرفه الجميع هناك رجل عاش العديد من المآسي». ورغم أن كلاشنيكوف لم يكمل تعليمه إلا أنه بات مخترعا عظيما وهو الذي لم يكمل أبدا دراساته الثانوية يقول بهذا الصدد: لقد ولدت مخترعا، إن جامعاتي التي تعلمت فيها هي الكتب». بعد ذلك حصل في سنة 1949 على جائزة ستالين التي وفرت له مبلغ مائة وخمسين ألف روبل، أي ما كان يشكل ثروة حقيقية. منذ سنة 1950 أصبح عضوا في مجلس السوفيات الأعلى، الأمر الذي سمح له بأن يرى من بعيد ستالين وبقي في هذا المجلس حتى تم حله سنة 1988 منذ بداية الخمسينيات، حيث لم يغب عنه سوى عشر سنوات خلال هذه الفترة كلها وذلك عندما مات ستالين وخلفه نيكيتا خروتشوف. حرص الاتحاد السوفياتي طيلة عقود على إخفاء هوية كلاشنيكوف معتبرين ذلك سرا عسكريا، فعند قيامه بأول رحلة له خارج البلاد في سنة 1970 برفقة زوجته إلى بلغاريا تلقى أمرا بالمرور على مقر جهاز الاستخبارات السوفياتية وكانت التعليمات واضحة، وهي أن لا يعرف البلغاريون أبدا هويته، سيما وأن المجموعة السياحية كلها كانت ستزور مدينة كازانليك حيث يوجد مصنع لرشاشات كلاشنيكوف، بل وكان ينبغي أن لا يعرف أعضاء المجموعة السياحية أنفسهم هويته الحقيقية التي ينبغي أن تبقى سرا عسكريا. ورغم انتخابه 6 مرات لعضوية مجلس السوفيات الأعلى إلا أنه لم يصبح أحد أعضاء النخبة السياسية الشيوعية النافذين، لأنه لم يؤيد أبدا السياسة التي انتهجها ميخائيل غورباتشوف منذ توليه السلطة في الاتحاد السوفياتي سنة 1985، والتي أدت إلى انهياره. رغم الشهرة التي امتاز بها السلاح الذي ابتكره، إلا أن ميخائيل كلاشنيكوف لم يتلق أي مبلغ عن أي قطعة أنتجت أو صنعت لسلاحه، كما لم يحصل على براءة اختراع لبندقيته تلك.