كثيرا ما ننخدع أمام مظاهر الحياة المختلفة، وتتوالى الصدمات مع اكتشاف الحقائق، وتتعقد الرؤى بعدما نصاب بخيبة أمل من حقيقة كنا نجهلها. أحيانا نكون مخطئين ومجحفين في حق الآخرين بنظرتنا السلبية لهم، وأحيانا أخرى ننصدم من واقع مرير كان حلوا في مخيلتنا. الحياة مليئة بالمتعة مقابل المتاعب، وأنواع البشر كثيرة تعددت أصنافها، كل يعيش على شاكلته، لا أحد يشبه الآخر، فهم الأشخاص بعضها البعض لا يمكن أن يكون إلا نسبيا. هناك في ذاكرة فلان معلومات مغلوطة، والآخر يبدي عكس ما يفكر فيه، وبعضهم خانته العبارات فيجني على نفسه بسوء تقدير الآخر. الأحداث والأفكار والعبارات والأحاسيس وردات الفعل ووجهات النظر بداخلنا كثيرة لا حصر لها،لا يبدو منها سوى جزء بسيط جدا، قد يكون السبب خوف من غضب فلان، أو رغبة في تعذيب فلان، أو إسدال الستار على كل سيء من أجل تزين صورة أحدهم للآخر. وقد يكون الهدف ماكرا منظوما، منقوشا، متقنا أدق الإتقان، كما قد يكون اعتباطيا عاديا دون أية نية مبيتة. وفي خضم احتكاكنا بالمجتمع، وتعدد الآراء والأقوال، وكثرة القيل والقال، تزداد الحقائق في الغبور، وتنجلي عن مضمونها المعهود. فيصبح الحلال حراما والحرام حلالا. ونعيب ما لا يعاب، ونفرح بالعيب المعاب. فتنقلب كل المفاهيم، وتصبح الحقائق زور عظيم، فيضطر بعضهم للهروب من ضجة الخداع، والعيش بعيدا عن المدافع، على أمل تغيير الواقع. بينما يفضل آخرون الانجرار وراء كل حقيقة مزورة، وتفنيد كل مصيبة مقررة، فقط من أجل البروز على سطح المجتمع، وترغيب وتضليل كل فرد أميا كان أو معلما. ومع كل هذا وذاك، يبقى بلوغ الحقائق الظاهرة منها والخفية أمرا ممكنا. فالزمن يكشف المستور، والكذب والمكر والخداع لا يطول، ولا يجوز لأخطائنا بأن تتكرر. بل من الأخطاء نتعلم.