آلمني جدا موقف الفنانة المغربية المتألقة دنيا بوطازوت بعدم احترامها للصف في قضاء حاجتها بإحدى المؤسسات العمومية بالدارالبيضاء. كنت أتمنى أن تكون قدوة لغيرها في دفع المغاربة بهدوء وذكاء وطموح إلى بناء مغربهم الحضاري، من باب المواطنة العارية من الألقاب والمراكز الاجتماعية أو الاعتبارية، والالتزام بالتالي بقيم الحق والقانون والأخلاق. كم كانت بوطازوت مخطئة في استغلال نفوذها الفني والرمزي لقضاء حاجتها الإدارية بإحدى مقاطعات ولاية الدارالبيضاء الكبرى. بل أستغرب حقا، كيف أن بوطازوت عجزت عن الاهتداء إلى طريقة سليمة وسهلة لقضاء حاجتها ؟. لقد كان بإمكانها أن تلقي التحية على الذين سبقوها في ولوج المقاطعة البيضاوية، ثم تستأذنهم في السماح لها بالمرور إلى الموظف المعني قصد تسوية ملفها، لظروفها الطارئة أو المستعجلة. تصوروا معي؛ لو قامت بوطازوت بهذا العمل، وتقدمت إلى الواقفين في الطابور مستأذنة إياهم.. كيف سيكون رد فعلهم ؟ أو لنتساءل بكيفية وصيغة أخرى: من من هؤلاء الواقفين، بما في ذلك خولة، يقدر أن يعبر صراحة وعلنا عن رفضه للاستجابة لطلبها ؟. من جهتي تصورت الأمر، فأتتني الصورة الآتية: سيرحبون بها، وأفواههم مشدوهة فرحا، وأسنانهم بارزة ببياضها أو سوادها.. وجميعهم يقولون لها: مرحبا بفنانتنا الجميلة. لا مانع لنا في إعطائك الأسبقية. بل أنا على يقين، أن هناك من سيرغب في التقاط صورة تذكارية مع دنيا بوطازوت قبل أن تقضي حاجتها الإدارية وبعدها. إن مكانة دنيا بوطازوت الفنية والرمزية والشعبية، وحدها تمثل جواز سفر لقضاء حاجات ورغبات عدة.. أي أنها لم تكن في حاجة إلى بلادة الموظفين وقابليتهم للاستحمار. لكن بوطازوت لا تتحمل المسؤولية الأولى فيما حدث، وفيما تطور بعد ذلك إلى كسر ودماء واعتقال. المسؤولية الأولى تقع حتما على عاتق موظفي المقاطعة الذين استقبلوا دنيا بوطازوت وطاروا فرحا بقضاء حاجتها الإدارية رغم أنف الجميع، وضد الأعراف والقوانين والقواعد الأخلاقية. لو امتنعوا وطلبوا من بوطازوت – ببشاشة وابتسامة عريضة – بضرورة الوقوف بالصف إلى حين مجيء دورها، لكان لذلك ثمار حلوة يانعة؛ أولها أنهم انتصروا لقيم الديموقراطية في احترام المسطرة القانونية والأخلاقية، وكشفوا عن روح جديدة لمغاربة الألفية الثالثة. وثانيها؛ يتمثل في إحراج الفنانة المقتدرة بوطازوت وإشعارها صراحة بأنها مواطنة كغيرها في هذه المؤسسة العمومية، وعليها نفس الواجبات ولها نفس الحقوق. وثالث الثمار؛ هي أن تطبيقهم للقانون سيجنب – لا محالة – الوقوع في الأضرار الكارثية التي نجمت – بعد ذلك – بين الفنانة المعروفة وخولة المواطنة التي لا يعرفها المغاربة. إن أهم معوقات نهضتنا وتقدمنا الحضاري والأخلاقي كامنة في المواطن ذاته؛ الموظف والطالب والسياسي والمسؤول والعاطل. لأنه لو حرص هذا المواطن على احترام نفسه باحترام القانون والعرف وحق الآخر، لما وقعت الخروق والتجاوزات هنا أو هناك. إن ما ارتكبته دنيا بوطازوت من خطإ، يندرج في قوله صلى الله عليه وسلم "إنما هلك الذين من قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" .. إن الرسول عليه الصلاة والسلام في موقفه – هذا – التنويري الصارم، يؤكد لنا مسألة خطيرة وفي غاية الأهمية؛ وهي: إن القانون فوق الجميع. فوق الإسم والنسب والقبيلة والقوة والمكانة والجاه والحسب. لكن؛ دنيا بوطازوت قبلت – بعد ذلك – اعتذار عائلة خولة، وعفت عنها، رغم أن أنفها كسر، وجفنها انتفخ، وسالت دماء غزيرة منها. وبذلك انتصرت بوطازوت مرة أخرى، وبرهنت على أنها فنانة إنسانة، وأن عملها يندرج في عدة آيات بينات قرآنية، منها قوله تعالى في سورة الأعراف: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"، وقوله سبحانه في سورة الحجر "فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ"، وقوله جل جلاله في سورة النور "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". لقد انتصرت دنيا بوطازوت بموقفها النهائي، وخرجت مرفوعة الرأس، بعد أن كانت خاطئة أول الأمر. أما خولة، فقد كانت منتصرة أول الأمر حين رفضت أن يسلب منها حقها في قضاء حاجتها الإدارية قبل بوطازوت، ولكنها انهزمت – بصورة منكرة – حين لجأت إلى منطق العنف لحماية حقها المشروع.