في الحلقة السابقة بينا ان النقابات ليست جادة في الانخراط في انقاد منظومة التقاعد اي انها في الوقت الذي تقر بالطابع الاستعجالي لنظام المعاشات المدنية ، وضرورة ادخال اصلاحات مقياسية شرط ادراجها في الحوار الاجتماعي ( مما يعني الاتفاق على المبدأ والمساومة من اجل تفعيله باشياء اخرى) ، نجد ان النقابات من خلال اللجنة التقنية قد تبنت توجهها يقوم على التخطيط والسعي الى استدامة عمل اللجنة التقنية !! فبالرجوع الى مذكرة اللجنة التقنية المرفوعة الى السيد رييس الحكومة يتأكد ان اللجنة قد تبنت توجها يسير في تمديد عمرها ، كما طالبت بتخصيص تمويل كافي للقيام بعدة " دراسات " والقيام ب" سفريات " من اجل " دراسة التجارب الناجحة في مجال اصلاح أنظمة التقاعد " !! والقيام ايضا بمهام تتجاوز طبيعتها التقنية ، المفترض ان تكون محددة في الزمان والمكان ، مهام تدخل في اختصاص الحكومة والبرلمان ( التشريع ) ، واخرى تدخل في نطاق اختصاص موسسات دستورية من قبيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الاعلى للحسابات ، ومهام تدخل في نطاق الاختصاص التنظيمي من قبيل إعداد دراسات تتعلق بتوسيع التغطية الاجتماعية ، ولذلك فقد كانت الحكومة على صواب حين عرضت مشاريع القوانين على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، وهو فضاء اخر للحوار والتشاور الاجتماعي ، فضاء دستوري ، كما أحسن البرلمان صنعا حين احال الموضوع على المجلس الاعلى للحسابات وهو موسسة دستورية مستقلة عن الحكومة كما هي مستقلة عن البرلمان ولا تخضع لرقابته او مساءلته !! وفضلا عن ذلك فان تأملا بسيطا في مقاربة النقابات لمعضلة التقاعد يمكن من الخروج بعدد من الاستنتاجات التي تبعث على التشكيك في جدية النقابات ومصداقية خطابها حول الموضوع - النقابات لحد الساعة لم تقدم اي مقترح ملموس ومرقم بديل عن المقترح الحكومي يمكن من إنقاذ نظام المعاشات المدنية واكتفت بالدفع بان على الدولة ان تتحمل تكلفة الاصلاح ، وهو هروب الى الامام وكان الدولة لن تتحمل قسطا من الاصلاح ولن ترفع هي الاخرى من إسهامها فيه كطرف مشغل !! - المركزيات النقابية وقفت معارضة ليس فقط لمقترح الحكومة الذي كان من المفروض ان تواجهه من خلال بدائل ملموسة مرقمة عِوَض إلقاء المسوولية على الدولة في تمويل القسط الاكبر من فاتورة الاصلاح .. وهو ما يعني استهلاك الاحتياطي والزيادة في الديون الضمنية من الميزانية العامة اي من اموال دافعي الضرايب واغلبيتهم غير منخرطين ضمن اي نظام للتغطية الاجتماعية !!! بل انها وقفت في الجهة المقابلة للآراء التي أبدتها موسسات دستورية من قبيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي التي هي عضو فيه والمجلس الاعلى للحسابات الذي يرأسه السيد ادريس جطو الذي هو على دراية بالملف وخاض تفاوضا مع النقابات في هذا الملف ولم يفلح في تحريكه حين رفع الفيتو في وجهه وحذر من الاقتراب منه لأسباب انتخابية صرفة من قبل بعض الحلفاء في حكومته انذاك !! - لكن اللجنة التقنية وأعضاؤها لا يَرَوون مانعا في الرفع من تمويل عمل اللجنة التقنية ، انهم يريدون تمويلا للقيام باسفار من اجل "استكمال تنفيذ البرنامج المسطر ل'اجراء دراسات مقارنة " مع الدول الناجحة في اصلاح أنظمة التقاعد .. اي يريدون مزيدا من السفريات والتعويضات ، وكان الحكومة والمؤسسات الدستورية لا تتوفر على الخبرات والامكانيات التي من شانها تحضير تلك الدراسات ، وكاننا نواجه مشكلة لنا فيها عشرات من الخيارات في حين ان التوجهات العامة لاصلاح أنظمة التقاعد في العالم معروفة ومجرّبة وهامش الاختيار فيها محدود ، واغلب التجارب ذهبت الى ادخال اصلاحات مقياسية تمس أساسا الزيادة في السن وفي الإسهامات ومبالغ المعاشات ونسب الاحتساب ، بحكم ان المشكلة مشكلة ديمغرافية لا يمكن ان يسلم منها نظام يقوم على التوزيع ، كما ان منظمة العمل الدولية قدمت رايها في الموضوع ، ولم تدهب بعيدا عن السيناريوهات المطروحة والمعروفة في التجارب العالمية !! - اللجنة التقنية تريد التمديد لها لإعداد الدراسة القانونية والتنظيمية اللازمة لتنزيل مشروع الاصلاح ، في حين ان وظيفة التشريع اختصاص اصلي للحكومة من حيث المبادرة واختصاص للبرلمان من خلال التعديل والمصادقة او من خلال المبادة الاقتراحية ، كما ان المجال التنظيمي هو اختصاص حكومي ، وليس اختصاص من اختصاص النقابات او من اختصاص " الحوار الاجتماعي " ، وهو محاولة لمصادرة ادوار هي اختصاص اصلي للحكومة ، وفي فهم مختل للمقاربة التشاركية التي تعني تغييب المسوولية السياسية للحكومة وأغلبيتها عن السياسات العمومية وعن القرارات التنظيمية والتدبيرية !! - اللجنة التقنية تدعو الى ادراج الاصلاحات المقياسية في إطار الحوار الاجتماعي ، لكن حين جاءت الحكومة بمقترح في الموضوع وطرحته على مائدة الحوار الاجتماعي رفعت النقابات عقيرتها بالنقد وقالت : ان الحكومة جاءت بمنظور مقياسي محاسباتي والنقابات تريد اصلاحا شاملا في تناقض مع توصياتها التي أكدت على اولوية اصلاح نظام المعاشات المدنية ، ذلك ان المقاربة الشمولية لا تتعارض مع البدء بأولويات محددة !! - اللجنة التقنية طالبت بإجراء دراسة تمكن من بلورة دقيقة لتوسيع التغطية لفائدة غير الاجراء ، ولما جاءت الحكومة بمشروع قانون في الموضوع وطرحته على البرلمان قالت النقابات : ينبغي إرجاع الموضوع برمته الى مائدة الحوار الاجتماعي ، مما يعني تعطيل استفادة شريحة واسعة من المواطنين من الحماية الاجتماعية ، وتعطيل توسيع قاعدة المنخرطين باعتبارها خطوة أساسية نحو الاصلاح الشمولي ونحو إنقاذ منظومة التقاعد والخلاصة هي ان النقابات لم تقف عند حدود الهروب من دورها وتحمل مسووليتها في الاصلاح والاكتفاء بالركوب على شعارات من قبيل " الحفاظ على المكتسبات " ورفض الاصلاح على حساب المنخرطين ، وكان الحكومة سوف لن تتحمل جانبا مهما من تكلفة الاصلاح ، او كان الميزانية العامة ستستفيد من مداخيل إضافية بسبب الاصلاح !! بل انها أصبحت تتصدى له ، وتواجهه وتعرقل موسسة دستورية من القيام بدورها التشريعي ، وتعرقل الحكومة من تحمل مسووليتها السياسية في القيام باصلاح اصبح ضرورة حتمية .النقابات رفضت رأيا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وقد وردت فيه عدد من المقترحات التي هي في مصلحة الشغيلة من قبيل اقرار الدرجة الجديدة !! النقابات اليوم تقف دون توسيع نطاق الحماية الاجتماعية لتشمل غير الاجراء اي تقف في وجه حق فئة عريضة من المواطنين في الاستفادة من هذا الحق الدستوري !! النقابات اليوم تدعي ان لها نظرة غير مقياسية لاصلاح نظام المعاشات المدنية وتدعو الشغيلة كافة الشغيلة لاضرابات دفاعا موهوما عن فئة الموظفين . النقابات تكتفي اليوم برفع شعارات متناقضة مع ما تدعيه من توجه اجتماعي وغيرة على الفئات المستضعفة بالدعوة الى ان تتحمل الدولة تكلفة الاصلاح ، وترفع احيانا سعار محاكمة المفسدين الذي نهبوا اموال الصناديق !!! وهو ما يعني تحميل دافعي الضرايب تكلفة اصلاح صندوق يهم ما يقل عن مليون موظف اي ان يكون ذلك على حساب بناء المدارس وشق الطرقات وفك العزلة عن العالم القروي وعلى حساب توسيع نظام المساعدة الطيبة والنهوض بالخدمات الصحية وعلى حساب الدعم الاجتماعي للفقراء وعلى حساب الاستثمارات المنتجة لفرص الشغل وهلم جرا … وهو ما يعني هروبا الى الامام .. علما ان كثيرا من مظاهر الفساد والريع هو اليوم يتحصن بالنقابات كما هو الشان بالنسبة للريع والفساد التعاضدي وفي مجال الاعمال الاجتماعية . خلاصة نهائية هل بقي من شك اذن في ان النقابات قد تحولت الى احدى أدوات عرقلة الاصلاح و خصم حقيقي للشغيلة !!! الا تكون الحكومة بدورها شريكة من جديد في التواطؤ على تعطيل الاصلاح اذا دخلت من جديد في مساومات مع نقابات هاربة من دورها تحولت الى جزء من المشكلة بدل ان تتحول الى جزء من الحل ؟ هل ستلجأ حكومة بن كيران كما فعلت حكومة جطو تحت ضغط بعض الأحزاب المشاركة فيها الى ترحيل الاصلاح الى ما بعد الانتخابات ، وكما فعلت حكومة عباس الفاسي التي كان من المفروض ان تدعو اللجنة الوطنية للتقاعد يوم 20'ماي 2011 للحسم في الموضوع الشيء الذي لم يحصل حيث عملت انذاك بالمبدأ القائل : كم حاجة قضيناها بتركها . لننتظر ونرى !!