أنا محمد جلو.. كنتُ بعمر ست سنين.. عندما لعبت البلي (الدعبل)، مع رئيس وزراء المغرب الحالي.. رئيس الوزراء المغربي الحالي، عبد الإله بنكيران.. كان ولدا بعمري، عام 1960.. إلتقيته في بيت جده، في قعر مدينة فاس القديمة.. فلقد دُعينا جميعا للمبيت في بيت جده.. لم يكن بيتاً في الحقيقة، بل قصر صغير، و بديع.. مليء بالأعمدة و الزخارف و النافورات المغربية. عم عبد الإله و عمته، كانا طالبَين في دار المعلمين العراقية في فاس.. عندما كانت بناية دار المعلمين قرب باب بوجلود.. في قصر الملك محمد الخامس، الذي وهبه للتعليم، و تحول الآن إلى مستشفى. و أبي (خليل جلو) كان المدير، و أمي مُدَرسة اللغة العربية في ذلك المعهد.. فأتصور أن الدعوة لنا كانت، من عم عبد الإله أو عمته.. لمعرفتهما بأبي و أمي. إلتقيت بعبد الإله، رئيس وزراء المغرب المقبل.. و هو ما زال طفلا، و بعمري بالضبط.. إنسجمت معه فورا.. أحسست و كأنه قد تلقى أمرا من جده أو عمه، للإعتناء بي، بأقصى حد.. و أحسست أنه كان يبذل كل وسعه، لإسعادي و إمتاع وقتي في بيت جده.. و بالفعل، نجح في ذلك نجاحا باهرا.. فلقد إستمتعت كثيرا بوقتي معه.. و ما زلت أتذكر التريد الذي إشتراه لي من الفرن القريب.. و كان ألذ أكلة ذقتها في حياتي وقتها.. و ما زلت أعتبر ذلك التريد أطيب أكلة في حياتي، إطلاقا. جاء وقت الغداء، و تغدينا طاجين و صينية بسطيلة هائلة الحجم.. و رفضت تذوق الخليع، رغم تأكيدات عبد الإله بأنه لذيذ.. و لكنني رحبت بأكل قطعة لذيذة من حلويات كعب غزال.. بعد الغداء.. أخرجني عبد الإله معه إلى الزنقة (الدرب أو الدربونة).. فعَرَّفني بأطفال بأعمارنا، يبدو عليهم بأس و شكيمة، لم أجدها في أوجه أولاد فاس الجديد، حيث أسكن.. دعانا أولاد الزنقة للعب البلي (الدعبل).. ترددت في البداية، لأنني لم أعرفهم.. و لأنني كنت أعرف عن عدم مهارتي في البلي.. لكن عبد الإله شجعني، عندما شاورني مدعيا بأنهم لا يعرفون اللعب.. و أنه يغلبهم دائما.. فقبلت.. و أخرجت البلي الثمانية من جيبي، لألعب.. و للأسف… حصل ما خشيته.. و خسرت أربع بلي خلال دقائق.. فقررت التوقف عن اللعب، و الإكتفاء بالتفرج.. و لسبب كنت أجهله.. ظهر الغضب على وجه عبد الإله.. و بدأ يؤنب الأولاد.. و لكنني لم أفهم سبب تأنيبه لهم.. لأنهم لم يغشوا، بل لعبوا أفضل مني، و ربحوا البلي بحق.. ثم بدأ عبد الإله بمطالبتي باللعب.. و عندما وجدني مصمما على عدم اللعب.. أعطاني عددا من البلي من جيبه.. و قال أنه لن يطالبني بإعادتهم له، حتى لو خسرتهم مع الأولاد.. فقبلت عرض عبد الإله، و باشرت باللعب.. لكنني لاحظت تغيرا مفاجئا في الأولاد.. لا أعرف ما الذي قاله عبد الإله لهم، أو فعله بهم.. فلقد إختفت كل مظاهر البأس و الشكيمة من وجوههم.. و تدهور مستوى لعبهم، بصورة عجيبة.. فلقد بدأت أربح، بسهولة.. و إستعدت كل البلي الأربعة التي خسرتها.. و ربحت أربعة جديدة.. لأعيد البلي التي إستدنتها من عبد الإله.. قبل أن تنادينا أم عبد الإله لدخول البيت، لتناول الأتاي (الشاي المغربي).. مع وجبة جديدة من الحلوى المفضلة، كعب الغزال، طبعاً. قضيت أوقاتا سعيدة مع عبد الإله.. و لو سألتني عن حسن ضيافته.. لأجبتك أنه يستحق عشرة على عشرة لحسن ضيافته لي.. و شدة إهتمامه بي.. و في اليوم الثاني.. ودعت عبد الإله، على أمل اللقاء مرة أخرى.. و أنا لا أعرف بأنني لن ألقاه بعدها أبدا.. و في الطريق، و نحن متجهون في سيارة أبي نحو البيت.. بيتنا في درب كريستياني، في فاسالجديدة.. تحسست البلي في جيبي.. و أنا فرح بالأربع التي ربحت.. كان لدي ثمان، ربحت أربعة فأصبح لي إثنى عشر.. أخرجت البلي من جيبي، لأتأملهم.. و حسبت عددهم.. توقعت إثني عشر.. لكنني وجدت عشرين. لم أعرف، من أين أتت الثمانية الإضافية.. فعزمت على سؤال عبد الإله، عندما ألقاه ثانية.. فشكوكي، تحوم حوله.. للأسف، لم تتسنى لي فرصة سؤاله، منذ ذلك الوقت.. لأنني لم ألتق به ثانية، إلى حد الآن. لا أتذكر أي شيء قبل عمر 4 سنوات، عدا البيت الذي ولدت فيه.. بعد عمر 4 سنوات، أتذكر تفاصيل عن الكثير من الأحداث و الأماكن، بصورة تفصيلية دقيقة. كنت أتصور أن الجميع يستطيع التذكر مثلي. *عراقي مقيم بلبنان