حضرت النساء قبل الرجال، والشيوخ قبل الأطفال، في مشهد مهيب كثر فيه العناق أكثر من الكلام، والحزن أكثر من البشاشة، طفلٌ يبكي، وذي الشيبة يئن ويشكي، ما أن تسأل أحدهم إلا وتجد العبارات لا تسعفه، يتمتم قليلا قبل أن يخنقه الوجع ويلوذ بالصمت وعينه تغرق في بركان من الدموع الحارقة كتلك التي خرج من أجل أن يمسحها محمد ياسين مفتاح، المستشار الجماعي عن جزب العدالة والتنمية بمجلس تطوان عن امرأة استنجدت به من الأمطار الغزيرة التي غمرت بيتها دون أن يعلم أن تلو الوجهة ستكون الأخيرة له في دنيا الزوال إلى دار البقاء . الإبن البار، والأب التارك بناتِه كالنّار : "عاش مرضي ومات شهيد، دعيو معاه ألمومنين"، هذه العبارة الوحيدة التي كان يرددها والد الرّاحل ياسين مفتاح وهو يستقبل التعازي من التطوانيين الذين أتوا من كل حدب وصوب، كانت فاجعته كبيرة في ولده، فظل يردد "أنا غطيتك بالرضا وفرشتك الرضا الحبيب ديالي" . وإذا كانت صدمة الأب كبيرة، فإن صدمة الأبناء أكبر، لا تجرؤ إحداهن عن الكلام قط، وما أن تتجرأ على فتح فاهها حتى تنحبس الحروف على شفاهها، وياليت الدموع تنزل فيشفى القلب، لكن العين جفّت وبقي لهيب القلب . إجابة المغيث والسؤال عن القريب : قال مصطفى الغلبزوري الصديق المقرب من الفقيد ياسين مفتاح في تصريح ل "الرأي" أن الأخير "مفقداتوشي العائلة ديالو بوحدا، وإنما فقداتو المدينة كاملة"، مردفاً "بكل صراحة خاي ياسين ولد الحومة وترابينا مع بعضنا، ما غيراتو السياسة ما غيراتو المسؤولية كيسقسي فينا دائماً وعمرنا وقفنا عليه وقال لاء، القدر دالله هو هذا ما عندنا ما نقولو، الحمد لله"، يقول مصطفى . صديق الجميع رغم الإختلاف السياسي : وكشفت أمينة بورجيلة القيادية في حزب الأصالة والمعاصرة بتطوان في تصريح ل "الرأي" أن "الفقيد ولو أنه من فريق العدالة والتنمية إلاَّ أنه كان دائماً أخاً متعاوناً، لا يهتم بالألقاب والشعارات، بقدر ما يهتم بالأعمال والإنجازات، كنا نحبه كواحد منّا وسنظل نذكره بالخير، رحمه الله" . وبعد أن صمت لدقائق وهو يحتبس أنفاسه ويقاوم دموعه، قال حميد أبولاس نائب رئيس جماعة تطوان في تصريح ل "الرأي" أن "مفتاح كان القلب النابض لمجلس تطوان من خلال إبتسامته التي لا تغادر محياه، فكان بذلك صديق وأخ الجميع رغم الإختلاف السياسي والحزبي" . مستشار القرب ورجل الخير : وفي إنكسار بالغ، صرح عادل الدكداكي عضو الكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية بتطوان أن "معاشرته لمفتاح بدأت عند التحاقه بالمصباح فكان نموذج السياسي الرسالي والمسؤول"، رزؤنا فيه يتابع الدكداكي "ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لله وإنا إليه راجعون" . ومن جهته، قال عبد الكريم زكرياء رئيس فريق العدالة والتنمية بجماعة تطوان أن "المصباح فقد أحد رجالاته النشطين الذين يعتبرون من مستشاري القرب"، مبرزاً أن "مفتاح رجل الخير الذي كان يسعى في خدمة المواطنين الذين يقصدونه سواء لسحب رخصة أو إضافة عداد كهربائي أو لأي غرض فإنه يكون على أهب الإستعداد لمدّ يد المساعدة وأداء الواجب" . جنازة بالآلاف ورحيل خلف كومة من الأحزان : لم يكن صدق مجهوادات الفقيد محمد ياسين أن تذهب سدى، فقد حضر جنازته جمهور غفير جداً من المشيعين من داخل تطوان وخارجها، والذين كانت عيونهم منكسرة حزناً وألماً وهي مرفوعة إلى السّماء ترجو الله العفو والقبول لمفتاح . وتقدم المشيعون عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ومحمد إدعمار رئيس جماعة تطوان، ووجوه سياسية وفنية ورياضية بارزة بالمدينة .