بين الحين والحين تشهد بعض المؤسسات التعليمية احتجاجات على خلفية تنزيل كابوس "مسار"، وتعود جذور الرفض إلى كون البرنامج فهم على انه يستهدف مصالح ذاتية لمكونات من الإدارة التربوية وطاقم التدريس والمتعلمين والمتعلمات. ففي حال التنزيل الفوري سيضطر طاقم الإدارة إلى التعامل مع البرنامج بشكل مكثف، وبالتالي ضرورة إبداء رجال الإدارة حيوية كبيرة ونشاطا يوميا، وتكبد أعباء زائدة أكثر من ذي قبل، خصوصا وان قسطا كبيرا من الإداريين استبدلوا القسم بهذه المهمة قصد اقتصاد الجهد، والتخلص من متاعب التدريس. لذلك سيرى بعضهم أن تنزيل مسار ضرب لهذا الطموح، ويتوقعون ان يصبح العمل الإداري شاقا أكثر مما هو عليه في القسم. كما ان اعتماد البرنامج سيساهم بشكل غير مباشر في تقليل فرص التغيب ومغادرة المكاتب، وسيمارس ضغطا كبيرا على هذه الفئة بسبب استفسارات الآباء والتلاميذ، وما سيرافق مسار من احتجاجات على الإدارة والتحرك الكبير للآباء اثر توسع ثقافة الاطلاع على السير الدراسي لأبنائهم عبر البوابة. اذ سيتحول الإداريون إلى موجهين ومؤطرين لفئة الآباء. سيفرض البرنامج على هيئة التدريس "روتين" تعبئة الأنشطة المنجزة بشكل يومي، ويلزم الأساتذة بانجاز الفروض حسب الجدولة الوزارية. كما أن ضرورة التوثيق والأرشفة ستوجب انجاز فروض المراقبة المستمرة وفق المواصفات البيداغوجية الرسمية. كما سيجبرون على استيفاء العدد المطلوب والمسطر وفق الأطر المرجعية. هذه العملية ستفرض على الأستاذ الرفع من إيقاعاته الزمنية لانجاز التعلمات والتقييمات بشكل صارم. على هذا الاساس، سيجد البرنامج من داخل أوساط رجال التعليم قسطا وافرا مستعدا لمقاومة تحديث المنظومة التعليمية، خصوصا تلك التي من شانها فضح عورات التقصير المهني، اذ سترى هذه الفئة في البرنامج رقيبا وسلطة، ينبغي التخلص منها بأي ثمن تأجيلا لكشف ما ظل مستورا في المهنة على مستوى انجاز الأنشطة والفروض والتنقيط. أما فيما يتعلق بمكون المتعلمين، فرغم ايجابيات مساهمة البرنامج في توفير جزء كبير من شروط التحصيل بضبط الإدارة التربوية وتنشيط هيئة التدريس، وتسهيل عمليات تسلم مختلف الشواهد المدرسية وبيانات النقط... فان البرنامج حينما يفرض على هيئة التدريس انجاز التعلمات والفروض واعتماد معايير شفافة وديمقراطية في التنقيط... سيضر فئة عريضة من التلاميذ الذين ألفوا التملق وسعاية "النفخ" في نقط المراقبة المستمرة، والاتكال على "ريع" زيادات بدونها ليس في مقدورهم الانتقال إلى الأقسام الموالية. هذه النقطة الحساسة وحدها يمكن أن تدفع قسما كبيرا من المتعلمين إلى الاحتجاج والمطالبة بإسقاط "مسار". وحتى إذا تم فرض تطبيقه، فسيجتهد "المتعلمون" في تجنيد طاقاتهم لاختراقه ومحاربته والتشويش عليه وضربه بتسليط الفيروسات عليه... ستعتبر المكونات الثلاث نفسها ضحية تنزيل البرنامج، وسيسعى الكل ما في جعبته لإسقاط البرنامج. ولن تنتظر الوزارة الوصية تعاملا ايجابيا من طرف المكونات الثلاث مع آلية تستهدف تعميق الضبط والالتزام والشفافية، والجودة... التي تسير ضد المصالح الذاتية للفئات الثلاث، ويمكن أن تعري وتفضح الريع المستور. ورغم ترحيب جزء مهم من المكونات الثلاث بفوائد البرنامج، فإن خصوم الحكومة سيتلقفون هذه المنحة لتأجيج فئة التلاميذ ودفعهم إلى الاحتجاج ما استطاعوا. ففي الوقت الذي ينبغي أن تتعالى أصوات الغيورين على التعليم والمناداة بالرفع من الجودة والشفافية، والسير نحو توسيع اعتماد التيكنولوجيا بحجرات الدروس ( السبورات التفاعلية، العاكسات، الكاميرات، المقرر الاليكتروني، الدعم عن بعد...) مازالت مكونات المدرسة العمومية لا تقبل تفعيل حتى مهامها التقليدية.