عويل وصراخ واستغاثة بالله، تهديد زبونيه ومحسوبية تلك هي الصورة القاتمة التي تستقبل بها الإدارة المغربية روادها إلا فيما نذر، مشاهد تمزق القلوب تلك التي تطالعك بها الشبكة العنكبوتية بين الفينة والأخرى والتي تبين صرخات مواطنين هنا وهناك قد حال الفساد الإداري بنهم وبين مصالحهم المشروعة، لاشك أن الربيع الديمقراطي قد اجتاحت رياحه أغلب البنيات المعتمة في البلدان العربية، تلكم البنيات التي وصلت درجة روائح التعفن فيها حد لا يطاق، كل ذلك بسبب ما أسلفنا ذكره، ولعل الربيع وإن استطاع أن تطرد رؤوس الفساد في بلدان ويزلزل فراعنة أخرى دون أن تصل هزاته حد إزاحتها، لكن على ما يبدو أن الإدارة المغربية قد تصلبت وتقوت شكيمتها وعزيمتها، فاستعصت على الربيع، إدارة لازالت تعيش على إيقاع ألحان سنوات التحكم والاستبداد. لعلي كي لا أسقط في فخ الاطلاقية وكي لا أتهم بالعدمية، فسأحكي في هاته المقالة تجربتي التي ناهزت العقد ونيف من التعامل مع هاته الإدارة. حينما تشاهد الوثائقيات والأفلام التصويرية حول بعض البلدان تكاد تصاب بالجنون وتحس بحنق الألم والغبن تكاد يخنقك وأن ترى أين وصلت إدارات البلدان في تقدمها وسعيها الحثيث في تكريس"الإدارة المواطنة"، إدارة كل همها خدمة البلاد والعباد، والحفاظ على كرامتهم، هذه القيم والتي لا تكاد تجد لها أثر في إدارتنا إلا في زوايا معزولة هنا وهناك، مما يؤكد أن الخيارات الكبرى التي حددت توجهات الإدارة منذ الاستقلال، وزكتها منعطفات في تاريخ المغرب لاتزال كما هي لا الأيام ولا الأحداث استطاعت أن تنال منها. وحينما تتأمل مسار إدارتنا ستفهم بما لا يدع مجالا للشك أن السبب في هروب رؤوس أموال الاستثمار والخبرات إنما السبب منه هو عقم الإدارة وانعدام قيم المروءة فيها، لذلك نتفهم تلك الأرقام المهولة التي تؤكد حجم الفساد المستشري فيها، وتؤكد تلك الدركات التي لا زلنا نقبع فيها في ترتيبات الفساد والرشوة، لكم أن تأخذوا أي قطاع شئتم وستجدون حجم الفرص التي تفوتها هذه الإدارة العرجاء على المغرب، نقط كانت ستنضاف إلى معدلات النمو تضيع في ردهات هذه الإدارة. ولعل الإدارة الترابية تشكل العصي الأساسي في هذا المسلسل الإفسادي، وهنا نفهم عدم استعداد حماة بيضة الاستبداد من التفريط فيها، فإن كان الربيع قد فرض ولو لحين أن يتسلم سياسي هذه الإدارة، ففي أول فرصة تسنى لهؤلاء السدنة فقد أعادوا الأمور إلى ما كانت عليه، ومن هنا نفهم الحركية الأخيرة التي عرفتها هذه الإدارة وطبيعة الأشخاص الذي تم تعيينهم فيها. من خلال كل هذا يتضح أن مسلسل الإصلاح لن تقوم له قائمة ما لم يضع إعادة هيكلة الإدارة الترابية وفق منطق الإصلاح ومنطق زمن الربيع، فهما وصلت نجاعة تدخلات الإدارات المركزية، فإن استمرار الإدارة الترابية في نهجها سيفوت الفرصة تلو الأخرى عن المغرب والمغاربة، ويبقى التساؤل هل بالفعل سيستطيع المغرب مع هذه الإدارة أن يرسي دعائم الانتقال الديمقراطي، والجهوية المتقدمة؟ الجواب يأتيك سريعا ينطق بالاستحالة، أتمنى أن تكون قراءتي هذه خاطئة وأن يكون العكس هو الصحيح. في الختام لا بد أن أرفع شارات التحية والتقدير لكل المرابطين والصادقين بمختلف الإدارات المغربية القابضين على الجمر، الحالمين بمستقبل زاهر لهذا البلد، ولابد كذلك أن نؤكد أنه لا قيمة للتغني بالاستثناء إن لم يستطع المغرب الدخول في الأبواب الواسعة للانتقال الديمقراطي الناجز، وكذا في إرساء قواعد جديدة في الإدارة والتسيير وممارسة السلطة وربطها الأكيد بالمحاسبة، أما ما عداها فسيبقى صرخات في واد، قد تعطي صدا وحتميات اختفاءها هو الأكيد. يحيى شوطى طالب باحث