في اخر لقاء جمع رئيس الحكومة بالمركزيات النقابية في موضوع إصلاح منظومة التقاعد عبر رئيس الحكومة عن استعداده لتحمل المسؤولية السياسية في إصلاح أنظمة التقاعد ، مهما تكن كلفة ذلك الاصلاح على حزبه وحكومته ، لما بدا ان المركزيات النقابية تتهرب من تحمل قسطها من المسوولية و والمضي بشراكة في طريقه تخوفا من فقدان ما تبقى من مصداقيتها خاصة وكانت انتخابات المأجورين على الأبواب. المركزيات النقابية التي ظلت تماطل وتسوف في الدخول الى صلب الموضوع ومواجهة استحقاقاته امام هذا الاستحقاق الوطني وتتهرب من مواجهته بدعاوى مختلفة ، انزعجت من تلك الخلاصة التي خلص اليها رئيس الحكومة حين قال لزعماء المركزيات النقابية عندما بدا له انها ليست جادة فيما تقترحه : لا اريد ان أحملكم اكثر مما تطيقون اما قواعدكم وانا مستعد لتحمل مسؤولية الاصلاح وتبعاته السياسية زعماء المركزيات النقابية اسقط في أيديهم حسب ما تقول مصادر مطلعة وانزعجت كثيرا وهي ترى لأول مرة حكومة جادة ومسؤولة وغير متهيبة من مواجهة معضلات ظلت موضوعة في الرفوف وتزداد تعقيدا ، حيث ظل لسان الحكومات المتعاقبة يقول في مواجهتها : كم من حاجة قضيناها بتركها ، وعادت لتتوسل ان يتواصل الحوار ، وان الحاجة ماسة لعقد جلسة تفاوضية اخرى ، وهو ما قبل به بن كيران وضرب الجميع موعدا بعد شهر، فكانت وفاة وزير الدولة بها وارتبكً كل شيء اصبح من اللازم اليوم تسمية الأشياء بمسمياتها وتفسير ذاك التمسك من قبل المركزيات النقابية بمواصلة او تمطيط الحوار حول التقاعد على الرغم من عدم جديتها في التعاطي معه ، وموقفها المسبق وهو الرفض الاوناماتيكي لأي صيغة للمضي في الاصلاح كما فعلت حين صوتت من دون باقي المكونات على الرأي الاستشاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ، في مقابل جدية بن كيران لعدة أسباب : - الشجاعة السياسية لرئيس الحكومة واستعداده ليضع مستقبله السياسي ومستقبل حزب من اجل ان يتحقق هذا الاصلاح الذي هو إصلاح من اجل تأمين ديمومة هذا النظام وضمان معاشات منخرطيه على الرغم من انه إصلاح مؤلم ومر مثله مثل الأدوية - ان طرح النقابات اصبح متجاوزا وحجاجها اصبح مهتزا خاصة بعد ان اصبح الإصلاح وتوجهه العام مسنودا من قبل مؤسستين دستوريتين ، مؤسسة المجلس الأعلى للحسابات الذي يوجد على رأْسه السيد ادريس جطو الذي له خبرة طويلة في التعامل مع النقابات ، فضلا عن وعيه منذ ان كان في الحكومة باستعجالية الاصلاح. فمعلوم ان السيد جطو كان قد فتح ملف التقاعد آنذاك وشرع في مباشرته واستدعى لأجل ذلك اللجنة الوطنية ، لكنه اصطدم بالفيتو الذي مارسته بعض الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة التي استحضرت الهاجس الانتخابي والكلفة السياسية المتوهمة ، مما قاد الى تأجيل الاصلاح وتعقيده ووصول مؤشرات توازن نظام المعاشات المدنية الى الخط الأحمر . والمؤسسة الثانية هي المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي أصدر رأيا يسير في اتجاه تأكيد استعجالية إصلاح نظام المعاشات المدنية من خلال إصلاحات مقياسية ملطفة بالمقارنة مع النسخة الاولى من العرض الحكومي ، وقد كان الموقف النقابي في المجلس شاردا عن مواقف مكونات المجلس الاخرى حيث صوتت النقابات ضد الرأي على الرغم من عدد من الإجراءات المصاحبة التي أوصى بها ومنها تفعيل الدرجة الجديدة التي ظلت تطالب به النقابات وثاني المعطيات هو الفشل الذريع لما سمي بإضراب عام دعيت له الشغيلة عامة بما في ذلك التي لا علاقة لها بنظام المعاشات المدنية حيث كان من اكبر القضايا التي برر بها الإضراب رفض المقترح الحكومي حول إصلاح هذا النظام ثَالِث المعطيات هو احساس المركزيات النقابية بان بن كيران اذا اتجه نحو تمرير اصلاحه فان المركزيات النقابية ستفقد – فضلا عن فقدانها معركةً المواجهة الميدانية – المكاسب التي ستجنيها من خلال توظيف ورقة التقاعد من اجل الضغط لنيل مطالب نقابية اخرى تسوق من خلالها لنضالايتها المزعومة وتثبن من خلالها بها انها ما تزال موجودة في الساحة فمن المعلوم ان لكل من المركزيات النقابية باستثناء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب القادم بقوة الى الساحة النقابية والمحسوب على العدالة والتنمية ، حساباتها الخاصة المتعلقة ب"المكاسب " السابقة او المتوقعة ، الاتحاد المغربي للشغل بالمغرب الذي يجد فيه حزب مشارك في الحكومة امتدادا له ، ويساوم الحكومة والدولة باعتباره اداة للتوازن والضبط لبعض التيارات اليسارية الراديكالية داخله ، ذلك الدور الذي ظل يقوم به في تاريخ الحركة النقابية منذ ان رفع شعار : " النقابة الخبزية " في مقابل " جدلية السياسي والنقابي " لدى الفصائل المنبثقة من رحم الحركة الوطنية ، ولقد ظل الاتحاد المغربي للشغل وما فتىء يرفع هذا الشعار ، علما ان عددا من التيارات السياسية الراديكالية فضلت ان تختبىء تحت جِلْبابه وهو لا يمانع من ذلك ، وتعرضت لمواجهة عنيفة حين حاولت ان تمتد اكثر من اللازم وتدخل في مواجهة " البيروقراطية النقابية " ، وفي مقابل هذا الدور استفاد الاتحاد المغربي للشغل من عدد من الامتيازات ومختلف اشكال الريع النقابي التي لم تستطع حكومة بن كيران ان تقترب منها ولم تمتلك من الشجاعة السياسية ان تتخذ من الإجراءات ما يمسها ، بل لم يكف بن كيران بمناسبة وغير مناسبة عن مغازلة أمينها العام ، وحضور مؤتمرها احتفالها بالذكرى الستين لتأسيسها ، ومن تلك الامتيازات المحفظة بعض القطاعات الاستراتيجية نقابيا تحت اسمه مثل الموانئ والأبناك والتكوين المهني والماء والكهرباء وبعض الوكالات وغيرها من القطاعات التي يعتبر الاقتراب منها خطا احمر .. ومن قبيل استمرار وضعه كمركزية تتمتع ب" حق " الفيتو في عدد من القضايا بدءا بتشكيل الحكومة و إسناد بعض الحقائب الوزارية ذات صلة بمحميات للربع النقابي كما هو الشأن بالنسبة للريع التعاضدي وكما هو الشأن بالنسبة ارفع الفيتو بالنسبة لمطالب المركزيات النقابية الاخرى المتعلقة بإعادة النظر في النظام الانتخابي الخاص بمنذوبي الإجراء اما فيما يتعلق بالكنفدرالية التي تعيش اليوم فقط على رصيدها النضالي التاريخي وهي في طور استهلاك اخر ما تبقى منه ، كما انها تعيش حالة من الشيخوخة القيادية التي يبدو من الصعب ان نتصور إمكانية تجاوزها من خلال عملية تشبيب ديمقراطي ، ومن الغريب حقاً كيف يمكن تصديق مناهضتها لمطلب تمديد سن التقاعد فوق الستين وقياداتها قد تجاوزت هذا السن وترفض الإحالة على التقاعد بطريقة ديمقراطية اما في بالنسبة المركزيين الاخريين اي الفيدرالية والاتحاد العام للشغالين فلا نحتاج الى عميق تحليل كي ندرك أنهما قد وظفتا بشكل سافر للقيام بدور " المعارضة " في الشارع النقابي بعد ان فشلت أحزابها في القيام بذا الدور داخل المؤسسات ، وهو ما جعلهما تعيشان حالة من التيه وفقدان البوصلة التي تعيشهما أحزابهما : ان مسيرة الحمير من جهة ، والمقاطعة الدراماتيكية لاحتفالات ماي ، وحالة الانشطار التي عاشتها الفيدرالية وذوبان احد شقيها في مركزية نقابية اخرى ، وفقدان شقها الاخر لصفة المركزية الأكثر تمثيلا ، وهو الامر الذي كان متوقعا ، وحصول الاتحاد العام عليها بطرقه الخاصة كما تشهد على ذلك طريقة تدبيرها ل" انتخابات المأجورين " في فاس ومندوبية التشغيل بالرباط ، كل هذه الوقائع تدفع الى طرح تساؤل عريض وكبير : هل بقي لدى الحكومة شركاء اجتماعيون لهم قدرة تعاقدية ، ويمكن التعويل على مشاركتهم في القيام بالاصلاحات الهيكلية داخل الحقل الاجتماعي ؟