قبل أن ندلف إلى موضوع خطبة الجمعة لنتكلم قليلا عن الجمعة نفسها، الوعاء الزمني لهذه الخطبة. في هذا اليوم العظيم ستقوم الساعة، "و ما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا بحر، إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة"رواه أحمد وحسنه اللباني، و بٌنَي آدم ساه لاه في المقاهي يقرأ الجرائد الواهية التي لا تفيد علما وقت خطبة الإمام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها)[ رواه مسلم(، كما أغلظ القول صلوات ربي و سلامه عليه من على منبره قائلا: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" رواه مسلم. أضف إلى ذلك أجر المبكرين إلى الجمعة، في الحديث الطويل المخرج في الصحيحين عن أبي هريرة، الذي يتناقص من بدنة إلى بيضة حسب وقت قدومهم إليها. و ختاما، في الجمعة التي هدينا إليها و ضل عنها اليهود ساعة لا يوافقها عبد إلا استجيب له فلا تحرمنا يا ربنا منها و من تفقدها. بعد أن ذكرنا بقيمة الجمعة المنسية، لنقف وقفة تأمل مع خطبة الجمعة. ليس كل من كور عمامة أو لبس برنسا أو أمسك بعصا طويلة أو لبس البياض من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه أهلا ليتصدر الإمامة والخطابة. هل وظيفة الخطبة هي تغييب العقل المسلم أم تنويره و نفض غبار الغفلة عنه؟ هل الخطابة أن تنزل رأسك على الورقة لا ترفعها إلا لماما، تسرع كأن ليثا يتعقبك؟ ألا لينتهين أئمة عن استغفال عقول الناس و الضحك عليها ببعض التمتمات المخلوطة بنصب المرفوع و خفض المنصوب و إطالة مملة منيمة أو لتنزعن البركة من أقوالهم. إن الخطبة أمانة وجب تأديتها في حدود الممكن لتكون الجمعة بحق ميزان الأسبوع لا حملا يسعى المرء للتخفف منه ثم ينتشر في الأرض غير آبه و لا مكترث بأحد. خطبة قصيرة، لا حشو فيها و لا تكرار، تفسر آية أو حديثا خير من نشرة مطولة مقرفة لا تكف معها عن التثاؤب، ثم تأتي بعدها قراءة مرتلة جميلة تحيي النفوس و تثلج الصدور و إن طالت بعض الشيء. ثم ألا ترون معي أن شعيرة الجمعة مظلومة عن سبق إصرار و ترصد؟ لماذا تبرمج في يومها دائما المباريات والامتحانات و اللقاءات و المنتديات و المؤتمرات؟! ألا يجمل بمن يخطط أن يراعي فترة الصلاة بحيث يكون متسع قبلها و بعدها؟ و إلا سيضطر الكثيرون إلى تركها أو بغضها؟ فعلى من يقع الوزر آنئذ؟ هذه أسئلة طويلة الذيل تحتاج إلى أجوبة ملحة من أصحاب القرار و هي لا تكلف عناء و لا مشقة بل صدق نية و تجردا و سلامة طوية.