لقيت قضية الشيخ أبو النعيم في الآونة الأخيرة، اهتماما وتتبعا واسعا للرأي العام من مثقفين وإعلام وسياسيين وباحثين ومتتبعين للشأن الديني، وذلك لعبارات التكفير والزندقة والتشهير التي امتلأ بها شريط مسجل تداولته الشبكات الاجتماعية على الانترنيت للداعية أبو النعيم، وذلك بعد دعاوى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على لسان كاتبه العام إدريس لشكر لمراجعة نظام الإرث في أفق المساواة بين الجنسين، هذه الدعوة التي لا طالما طالب بها الصف النسائي اليساري في ندواته و أنشطته أكثر ما مرة، لكنها لم تشكل يوما تهديدا على نظام الإرث بالنسبة للمغاربة، لأنهم يعتبرون مثل هذه الآراء شاذة وأحسن طريقة للتعامل معها هو تجاهلها، لكن أبو النعيم هذه المرة من خلال تعامله مع الحدث نوعا من المشروعية لمثل هذه الآراء ومنحها مساحة أوسع للنقاش العمومي. وقد أخد يعرف تيار أبو النعيم مؤخرا صدا واسعا في الأوساط الشعبية ، وذلك لطبيعة خطابه المتسمة على الأقل، بأربع مميزات أساسية: البساطة في الطرح، التعاطي العاطفي مع الدين، التعامل الظاهري مع النصوص، السذاجة السياسية. هذه المرتكزات الأربع في التعامل مع الدين الإسلامي في تقديري، قد تشكل خطر على المجتمع وعلى الدين نفسه ، وهو الأمر الذي أنتج مثل هذه الشريط الذي يتوجه لمثقفين بالزندقة، ويصف النساء بالباغيات، لكن رغم هذا التهديد الذي تشكله مثل هذه التيارات، إلا أنها لديها قابلية الإدماج، وهوا لأمر الذي حصل مع العديد من مشايخ السلفية، الذين يعتبرون اليوم من دعاة التنوير في الفكر الإسلامي . لذلك فقد انتظر العديد من المتتبعين للشأن الديني بالخصوص المغرضين، ردة فعل الحركة الإسلامية باعتبارها التكتل الإسلامي الأكثر تأثيرا في المجتمع، أيضا لاعتبار الحدث يصادف حكم الإسلاميين في المغرب، الا أن موقفهم كان الاستنكار الواضح مند اليوم الأول، واعتبروا الحدث مخالف لنهج الإسلام ولمقاصد الشريعة ، بل الأكثر من ذلك فقد حرك وزير العدل والحريات التابع للتيار الإسلامي بالمغرب مسطرة المتابعة ضد الشيخ أبو النعيم لما صدر عنه من آراء. هذا التفاعل الذي قد اعتبره البعض تطورا في الفكر الإسلامي الحركي، في حين اعتبره البعض الآخر شكلي يخفي العقلية الإسلامية المتحجرة والتي لازالت تؤمن بفكر الغلو والتكفير. والحاصل أن موقف كما يدعي قيادات الحركة الإسلامية في هذه القضية، هو موقف طبيعي حسب منهج الحركة الإسلامية التي تربت على قيم الوسطية والاعتدال و النظرة المقاصدية للدين وفقه الاختلاف ، إذ لا تجد حرجا على المستوى النفسي لاستنكار شريط أبو النعيم، تماما مثل ما تستنكر دعاوى إدريس لشكر. ولهذا ففي تقديري الدولة المغربية اليوم مطالبة بدعم الحركات الإسلامية، لما لها من القدرة في نشر معالم الإسلام السمحة وقيم الوسطية و الاعتدال و فقه الحوار والاختلاف ، أيضا في عملها على حماية الأمن الديني لدى المغاربة لكي لا ننجر إلى منزلق التكفير والزندقة .