الاستعارة التي استعملها الأمينُ العام لحزب العدالة التنمية في وصف خصمه السياسي اللدود حزب الأصالة والمعاصرة بليغة ودقيقة جدا، حاول من خلالها تقريب الطريقة التي يشتغل بها هذا الحزب ، وهي التي تشبيه عمل العصابات المافيوزية ، وفيها اختصار لشرح مطول لنوع من الممارسة السياسية التي باتت تجد لها موطئ قدم في الساحة السياسية بعد أن صُدت أمامه العديد من الأبواب التي اعتاد العمل بها مند تأسيسه سنة 2008 . علمياً، هناك العديد من الدراسات التي صارت الأساس النظري لعلم الإجرام، من تناولت الخصائص العقلية والنفسية والسلوكية للشخص المنحرف، وعلم النفس الجنائي زاخر بهذا. لكن المثير هو الخلاصات التي وصل إليها العالم الايطالي الفذ لامبروزو Cesare Lombroso الذي حيره المجرمون الايطاليون الأباء المؤسسون فعليا لظاهرة المافيا ، وخَلص بعد تشريح دقيق لجثثهم أن دافعَ الإجرام أصلهُ فسيولوجي ومرتبط بتشوهات في الدماغ ، اليوم هناك علم قائم لتفسير الجريمة يسمى علم النفس الفسيولوجي . لكن ما غايتنا بهذا الجدال العلمي حول موضوع الجريمة، ونحن نبحث في ظاهرة سياسية اسمها "الأصالة المعاصرة " من يشتغل بعض قيادييها وفق عقلية مافيوزرية ، الإجابة تكمن في كون أن خطورة السلوك السياسي المافيوزي تكمن في الاستناد إلى خصائص عقلية ونفسية إن تكررت في الكثير من الحالات صارت مثيرة للانتباه ، و هذا هو مبعث البحث في الموضوع والداعي إلى الخوض فيه . المتأمل في المنطق الداخلي لتنظيمات المافيا يجدها تشتغل وفق طريقة نُسميها " الاخطوبوطية ". بحيث أن هذا الشخص المافيوزي تكون له ارتباطات كثيرة عبر شبكة من العلاقات المعقدة التي تضمن له قضاء المأرب والمصالح وفق الدقة والسرية المطلوبة . وهذا ما نجده بالضبط عند قادة الحزب المعلوم. فالجميع يرى الارتباط الظاهر بين شخص نافد في الحزب سبق له أن كان طرفا في مشكل كبير في الصحراء دون صفة رسمية ، هو نفسه على علاقة بأشخاص في جهاز القضاء ، وهو نفسه من حضر دون صفة إلى الجمع العام لجامعة كرة القدم المغربية مزكيا لرئيس جديد ، هو نفس الشخص يتدخل في المصالحة الفلسطينية ويحضر لمشروع إعلامي ضخم ، ويبتز رجال الأعمال عبر أشخاص في المديرية العامة للضرائب ، هذه هي الأخطبوطية وتجلياتها . السيمة الثانية التي يشترك فيها أغلب زعماء المافيا في العالم هي عدم استكمال التعليم النظامي نظرا لقيامهم بأعمال عُدت خارج القانون ونتج عنها عُقوبات سجنية تنتهي غالبا عبر حالة فرار، هذه الميزة تكاد تكون متكررة بالحرف عند أغلب رجالات المافيا المشاهير مثل لاكي لوسيانو و جون جوتي وجوزيف بروفاس و آل كابوني، فتأمل تجد المعنى . الخاصية الثالثة أن المافيا في الأصل نظام عائلي يحمي مصالح مادية ومعنوية لبِنية عائلية تتقوى عبر المصاهرة ويقودها bigg boss ، هذا التعصب العرقي نجده حاضرًا بقوة لدى الحزب المعلوم، بل الكل يتحدث على هيمنة أبناء منطقة عرقية وجغرافية محددة على كافة أجهزة الحزب، فهل الصدفة وحدها من جعلت أكثر من سبعة أشخاص من "المنطقة المعروفة" يجدون أنفسهم بالصدفة في القيادة ؟؟؟ ، ثلاث منهم يحتلون مناصب حساسة كنائب الأمين العام ورئيس المجلس الوطني ورؤساء الفريقين في البرلمان. الخاصية الرابعة التي تتكرر بشكل مُريب في السيرة الذاتية لشخصيات عُدت الأبرز في تاريخ المافيا العالمية، هي الجذور الفقيرة. هذا العامل في تقدري ليس المسئول الأول عن الإجرام والتطرف ، فكم من العظماء في مضمار العلم والسياسية والاقتصاد ينحدرون من أصول فقيرة، أخرهم المستشارة الألمانية الحالية أنجيلا ميركل والرئيس الأمريكي بارك اوباما ، لكن وبلا شك يتكرر عامل الفقر في العديد من الدراسات السوسيولوجية التي حاولت تفسير السلوك الإجرامي ، وخلُصتْ في مُجملها إلى اعتبار الفاقة والحاجة مُحفز موضوعي على تطوير الجانب الانحارفي والعدواني في الأفراد ،على اعتبار أنهم مظلومين اجتماعيا، بالتالي لا ضير في الانتقام من هذا المجتمع الغير العادل ، هذا النوع من الخطاب حاضر بقوة لدى محرك الحزب المعلوم الذي يرى أن الدولة أمعنت في ظلم بني جلدته مند العدوان على المنطقة سنة 1958 ، وحان الوقت لتؤدي لهم الفاتورة، وقد أدتها عدًا نقداً عبر هيأة الإنصاف والمصالحة التي كان هو نفسه عضواً فيها ، ومزال إلى يوم الناس هذا المنظور يحمل حتمه الممهور وينثر كلاَمه المَسْطور و يترأس العديد من جمعيات تدافع ضحايا حرب الريف ،عن شعب مقْهور و تبحث له عن جبر ضرر مُجزيِ وموفور… ؟؟؟ السلوك المعادي للمجتمع، تلك إذن الخِصلة الخامسة التي نجدها تُعبِر حقا عن الشخصية المافيوزية والتي تكمل العناصر الأساسية للعقلية المافيوزية، فتراكم العوامل السابقة يتشكل بنية نفسية التي توجه السلوك المافيوزي، هذا السلوك تجده في خطاب هؤلاء الأشخاص الذين يفرطون في تحميل الأخر مسؤولية الآلام التي تعرضوا إليها ، ولا يملون من التَمرُّس خلف نظرة قاسية و ملامح صارمة تكون رسالة خطر مُوجهة للمخالفين لهم. السلوك المعادي للمجتمع يتجلى لنا يوميًا في عدد الأشخاص الذين يعلنون عن حجم الترهيب الذي تعرضوا له من طرف أشخاص يعملون اليوم بالسياسة المغربية لكن بعقلية مافيوزية. نافلُ القول عندنا ، أن العقلية المافيوزية لا تجد معنى لممارستها دون الوصول إلى قدر معتبر من الأموال والثورة ، من هنا نفهم حرص عناصر المافيا على التحصيل المتواصل للأموال، حيث يقدر حجم أعمال المافيا السنوي ب 100 مليار يورو، وبذلك فهي تتفوق على شركة فيات الايطالية العملاقة لصناعة السيارات، وأي أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لمصر. وتقوم أعمالها على أساس ابتزاز الأموال، تصفية خصوم سياسيين نظير مقابل، تجارة السلاح، تجارة المخدرات، بل إن جريدة "لا ريبوبليكا" الإيطالية ذكرت أن عدد الشركات والمحلات التجارية التي تدفع إتاوات للمافيا يصل إلى 160 ألف. وتتراوح التسعيرة الربع سنوية بين 500 يورو للمحلات الصغيرة إلى 5000 للشركات الكبيرة. فكيف يا تُرى ؟ استطاع شخص لم يكمل دراسته، ولا كان له إرث عائلي يذكر، ولا وظيفة رسمية، أن يصل اليوم إلى مستوى من الاغتناء يصل حد تملك مشروع إعلامي تفوق ميزانيته 12 مليار سنتيمم . أسئلة مشرُوعة بهواجس مشفُوعة سوف نبحث لها عن إجابات مسمُوعة في مقال نخصصه لبروفايل السياسي المافيوزي.