لعل الكثيرين يحفظون عن ظهر قلب قصة مسيلمة الذي ادعى النبوة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدعيا تقاسم الوحي المنزل معه، بتعديل تشريعات وأوامر إلهية، مكافأة لأتباعه أحيانا وتخفيفا عليهم أحيانا أخرى، ففرض حدودا جديدة، وألغى تشريعات سابقة،، وكما تعلم الكثرة من المسلمين فإنه سمي "مسيلمة" احتقارا له، بسبب أعمال الدجل التي برع فيها موقعا الجُهَّل من الناس في شراك الكفر وتيه الشرك، وبما أقدم عليه من عمل يقع في سلة الحقارة والوضاعة والدناءة، رغم أنه تسمى ب"الرحمان" "رحمان اليمامة" وتزوج "سجاح" التميمية شريكته في ادعاء الكفر والانحراف. استمر مسيلمة هذا في التآمر والدجل حتى وصل به الأمر إلى ادعاء النبوة فارتد الكثيرون بسببه، إلى أن قتل بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، زمن أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وانتهى أمره. مسيلمة هذا رغم براعته في التدليس على الناس إلا أن هذيانه لم ينطلي على أحد الأعراب لما سمعه يقول: يا ضفدع يا ضفدعين .. نقي ما تنقين.. نصفك في الماء ونصفك في الطين.. فانبرى له مخاطبا: والله إني لأعلم أنك كذّاب وأعلم أن محمدا صادق. ولكن كذاب ربيعة أحب إلي من صادق مضر. هذا كان زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعده بقليل، وبعد هذا الزمن ظهر من يدعي أيضا أن لديه قرآنا نزل عليه من السماء إسمه "الكتاب المبين" وأنه تنزل عليه أكثر ما تنزل على الأنبياء، ونشر طائفة منها مثل: "البراهين الأحمدية"، و"إزالة الأوهام" ، و"حقيقة الوحي"، و"سفينة نوح". وسمى طائفته تمويها وتضليلا "الأحمدية" وكأنهم ينتسبون إلى "أحمد"، رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبا وادعاء. وكما ألغى مسيلمة القديم فرائض ونصوصا هي من قطعيات الشريعة وأركانها، كالصلاة والصيام، لم يتوانى مسيلمة الجديد على أتباع نفس النهج فألغى الجهاد وادعى أنه المسيح، وحرف مفاهيم وقيم عديدة. هذين مثالين على نوع من الدجل ونوع من الكذب عليه تعالى، وأسلوب لجأ إليه الكارهون للإسلام في محاولة هدم أركانه من الداخل، وكلها محاولات باءت بالفشل لأسباب عديدة أولاها وأهمها أنه تعالى تكفل بحفظ رسالته والتمكين لدينه. ولكن "مسيلمة" مغربنا الحبيب لم يدعي النبوة ولم يؤلف كتابا، ولم ينسب لنفسه وحيا، بل يدعي أنه المتبع المحب، والمحب الوفي لا يفتأ أن يخاطب الناس بضرورة اتباع محمد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هنا تكمن خطورة هذا "المسيلمة" ويصلي مع الناس "لا ينسى أخذ الصور للتوثيق والإشهار"، ويستشهد في خطاباته ببعض الآيات من الذكر الحكيم، ولا ينسى أن يتهم خصومه بالكفر أو بترك السنة النبوية، ومرة سمع الناس في مهرجان خطابي أمام جمهور غفير وقد بانت نواجذه وتدلى لعابه، يهاجم رئيس الحكومة بسبب عدم اكتفاء الأخير بمصافحة زوجة السفير الأمريكي والسماح لها بتقبيله على وجهه، وهي العجوز، وبعد حين سمعناه يهاجمه مرة أخرى وهذه المرة في جلسة عمومية بمجلس النواب ويتهمه بالخيانة العظمى التي لو حضر وقيعتها عمر بن الخطاب "رضي الله" لاستل سيفه ولقطع رأس بنكيران فورا، لأن التخابر مع العدو جريمة كبرى وتقديم معلومات لجهات أجنبية ولداعش خصوصا، وأذكر أيضا أنه انتفض مع طائفة من حزبه انتفاضة عظيمة وأوشك أن يشعل النار في قومه، لما نادى رئيس الحكومة " عفا الله عما سلف"، فقال: لا وألف لا، لا… نريد محاربة الفساد وقطع رؤوس الأشرار وليس لك الحق أن تعفو على أحد، هذا تنازل وخذلان، وضعف وخوار، ولبس جُبَّة عمر المختار فقال للناس على رئيس الحكومة أن يقدم فورا استقالته ويغادر الميدان. وبعض من العقلاء "نحسبهم كذلك" من أتباعه وحزبه، يعلمون أنه كذاب وأنه "مسيلمة" وأنه نزل إلى الحضيض حينما بلغ به الأمر أن يتجاوز كل الحدود والأعراف ويدعي على رئيس الدولة الذي انتخبه الناس وأعطوه أصواتهم، فيتطاول عليه ويضع الأكاذيب، ويلبس لباس الورع والتقوى حينا ويلبس لباس الثوار الأحرار أحيانا ويرتدي لباس المصلح المغوار حينا آخر، ولكنهم على خطى الأعرابي يقولون : والله إننا لنعلم أنك كذاب وأنك منحط وأنك جاهل وأنك حقير، ولكن مسيلمة "الكذاب" أحب إلينا من صادق "الإيمان". المشكل ليس في أنه كذاب لأن هذا أمر يعلمه العقلاء من القوم حتى هؤلاء الذين أبغضوا حزب رئيس الحكومة وكرهوا برنامجه، وتحالفوا مع من يخالفهم الفكر والمنهج، للتسريع في إسقاطه من الحكومة والقضاء على تجربته الحكومية الفتية، وليست في هؤلاء البسطاء الذين صدقوا كل ما يتلقفونه من أخبار وأحاديث وهم بالمناسبة كثر وغوغاء تمتلئ بهم كل الأزمنة والعصور، والأزقة والدور. المشكل العويص يكمن في تكالب وسائل الإعلام وتدفق أموال الإعلانات والإشهار، وحنكتها في حبك وتلفيق الأخبار، وتزوير الوقائع والأحداث، واشتراك مدراء الدواوين والكتاب، وتعاون أهل الضلال والأهواء، وأرباب المصانع والمخابز ومختلف الأعمال، خوفا من سحب البساط من تحت الأقدام، وضياع المصالح وفقدان الامتيازات، وفي كثرة الكذب وادعاء الصلاح حتى صار المواطن يخشى أن يصبح هو الكذاب وأن عليه اتباع "مسيلمة" حتى يقي نفسه شر الانحراف. عملا بالمقولة الصهيونية المشهورة "إكذب إكذب حتى يصدقك الناس"، المفكر الإسلامي الراحل خالد محمد خالد – رحمه الله – يقول: إن معظم الساسة يؤمنون بمقولة شهيرة ويطبقونها، وهي: إكذب واكذب ثم اكذب فسوف تجد في النهاية من يصدقك!!. ، فتاه الناس بين مصدق لهذا وذاك، حتى كادت تضيع ثورته مرات ومرات، ولولا يقظة اليقظين ومنافحة المخلصين، وحنكة المجدين لتربع مسيلمة على عرش الوطن ولأصبح حلم الثوار في خبر كان. ما علم هؤلاء المدلسون الذين يعملون ليل نهار للعودة إلى مناصبهم التي أزاحهم الشعب عنها بكل وسيلة خسيسة، أن التاريخ لا ينسى وأن الناس ينخدعون مرة ومرتين وسنة وسنتين، ولكنهم سرعان ما يكتشفون خداع اللص المتسلل، والدجال الكذاب، فيفتكوا به شر فتك، وينتقموا منه شر انتقام، وما علموا أيضا أن حبل الكذب قصير، وأن الصدق يهدي إلى البر، وأن قناع النفاق سرعان ما يتكشف، ولم يتعظوا من مصير الذين خذلوا أمتهم فأوردوا أنفسهم موارد الهلاك والعقاب. قديما كان الوحي يفضح المنافقين والمندسين وكان المنافقون والمشركون يخافون فضح الوحي لهم، كما يتبين من خلال قصة اليهود الذين عزموا على قتل الرسول "صلى الله عليه وسلم" بالرحى فنبههم أحد الحاضرين إلى خطورة ما يفكرون فيه وأعاد تذكيرهم بعلمهم صدق محمد " صلى الله عليه وسلم" وأنه الرسول الحق، وحذرهم من فضح الوحي لهم، ولكنهم ركبوا غيهم، فكان ما كان،، مما يعلم الجميع بقيته، وكان القصاص العادل الذي نزل بهم جراء كيدهم وتآمرهم.. أما اليوم فلا وحي يتنزل ولا حجب تتكشف، ونحن نرى من كان إلى أمد قريب يتمادى في نهب المال العام وضيع على المغاربة فرصا عديدة للتنمية وتحسين الأحوال، وتسبب في خراب العديد من القطاعات وإفلاسها، وعاش المغاربة في عهدهم استفحال الرشوة والظلم والزبونية، ومن كان منهم لا مال له مصيره الإهمال، بل إن بعضهم معروف بسوء سلوكه وخبث طويته وتاريخه السيء في التعامل مع عمال شركته وتشغيلهم في ظروف مشينة وطرده للعديد منهم طردا تعسفيا بلا حقوق أو إنصاف. وعانى المغاربة من مهربي المال العام إلى بنوك أوربا، واستغلالهم لمناصبهم ونهبهم للثروة ومن الإهمال، كما أن بعضا من هؤلاء مسئول مسؤولية مباشرة لما آلت إليه أوضاع عدد من المكاتب المهمة كالماء والكهرباء وقطاع الصحة والنقل والتعليم،، وهلم جرا. ومع ذلك لا يكف اليوم عن الصراخ بملء حنجرته الغليظة بكثر ما أفرغ فيها من "شهيوات" الوطن وخيراته حتى لًإِنَّ المستمع ليشفق عليه لما يرى تصببه عرقا من فرط الجهد الذي غالبه جراء صياحه وصراخه وزبده مطالبا بالكشف عن ملفات الفساد ومطالبا بالضرب على أيدي الفاسدين بيد من حديد، كأنه أحد الصالحين الذين جاءت بهم العناية الإلهية لمساعدة هذا الشعب، مع أنه لا يعدو أن يكون غير واحد من التماسيح الغليظة السمينة ذات البطون الممتلئة، التي تمتلك ذيلا طويلا، غليظا وأذرعا مرتفعة ومصفحة تطيح بكل ما تلاقيه وهي تترنح يمنة ويسرة داخل هذا الوطن الجريح، الجريح جراء شغب أمثال هؤلاء الذين اعتنقوا عقيدة "مسيلمة" وآمنوا بنهجه، بل فاقوه حنكة، وأبدعوا جهلا، ولسان حالهم يقول: "أفٍ للشعب وللوطن،، أنا وبعدي الطوفان". وأملنا الوحيد في الله النصير للحق المعين عليه، وفي المواطن الحذر المنتبه النبهان، وعلى إصراره ويقظته فلا تجتمع أمتي على ضلال، وأملنا في الكلمة الصادقة التي تفوح بها أفواه متوضئة، وألسن بذكر ربها والهة، ومواقع إعلامية عاملة صادقة تنبه الغافلين وتذكر الناسين، أن الحق يؤخذ ولا يعطى، ويؤتى ولا يأتي، فما ضاع حق وراءه مطالب.