لم يمرّ سوى أسبوعيْن على حرب مُعلنة وصريحة، شنّها الإعلام الرسمي المغربي على النظام الحاكم في مصر، قَصَف فيها أعلى سلطة في البلاد، وأسْمَعها ما كانت تخشى سماعه، خرج عن صمته دون سابق إنذار ولا إشعار،فوَصَف السيسي بالإنقلابي،وألبَسَه بذلة العسكر،فاجئه بعبارات صريحة ومباشرة،وكشف النقاب عن مَجازره التي ارتكبها في حق الشعب المصري،حينما أباد الإنقلابي أكثر من 2000 من المعتصمين في ساحة "رابعة العدوية"، وما أدراك ما وقع في ساحة "رابعة " ! لكن، لماذا هذا الهجوم الشرس والعُنفواني؟ هل هي نتائج خرج بها المغرب بعد أكثر سنة من الزمن من مختبراته الدبلوماسية؟ أم أنّه كان يجهل حقاً حقيقة السيسي وحاشيته؟ كلاّ؛ فصورة الرجل واضحة وضوح الشمس، وانقلابُه لم يكن ليَخفى على أبسط العارفين بكواليس السياسة ودَهاليزها. سكوتُ المغرب كان طمَعاً في موقف مصر من الوحدة الترابية للمغرب؛ فما دامت القاهرة منسجمة مع مساعي ومَطامح الرباط، فأمرُ الشعب المصري لا يهمّ، دَعِ السيسي يفعل ما يريد ودَعِ الأمة المصرية يُرمى بها في فجّ خارج الزمن، حيث الاضطهاد والقمع لكل مَن عارَض سياسة الانقلاب. قيل إنّ الرئيس الشرعي هو محمد مرسي، المعزول في زنزانة السجن وكأنه مُجرم وليس رئيس دولة عريقة الحضارة، وكان للنظام أنْ يُدين ويُبرّر حسب هَواه،رامياً كل القوانين والدساتير وراء ظهره، وضارِباً بإرادة الشعب عَرْض الحائط، ولم يتأخر السيسي في إخلاء سبيل أعداء الثورة وجَلادّي الثوار، فكَّ سراحهم دون أيّ اكتراث، في يومٍ صُدِم فيه العالم أجمع؛ كيف لِحُسني مبارك وتُبَّاعِه مِمّن أدْمَوْا عيون شباب مصر وأردَوْهم أرضاً أنْ يخرجوا مُبرَّئين وتُنفَض عنهم تُهَمٌ طاعنة في روح الديمقراطية ؟ كانت مصر الجديدة المغتصَبة الملفوفة في كَفَن العسكر خاطئة، عندما استخفَّت بالمغرب ودبلوماسيّته، فقد خرجت إعلاميّة مصرية وَقِحَة مغمورة حَسِبت أنّ وَقاحتها سترفع من شأنها وترقى بها في سُلّم الشهرة الإعلامية، يوم قالت أنّ ''الاقتصاد المغربي قائم على الدعارة والسياحة الجنسيّة وبيع المخدرات‘‘. أحَقّاً هذا هو واقعنا نحن المغاربة؟ أم أنها كاذبة؟ هذا السبب لم يكن ليُثير حفيظة الرباط، وتَجاهَله المغاربة وكأنّ شيئاً لم يقع، واعْتُبر من التّرَّهات وشغب الأطفال الصغار. ليس بمُدّة طويلة، حتى شُنّت هجمة مصرية جديدة على عاهل البلاد، حينما دهب في زيارة خاصة لتُركيا، بطاقم من خمس طائرات، فنَعَتهُ إعلامِيّ مصري بصفاتٍ لم يكن القصر لِيَسكُت عنها لولا الاعتذار. رغم أنّ الديوان الملكي صرّح أنّ الملك قد سافر برُفقة خمس طائرات، كانت مُحمَّلة بإعانات للنازحين السوريين، ما دفع هذا التلميذ النجيب أنْ يُطِلّ مرّة أخرى من نافذة ضيّقة مُعتذِراً طالباً وُدّ القصر بوجه خجول. رغم أنّ موقف المغرب جاء متأخراً بسنوات ضوئية، من إعلان الحقيقة لكنها كانت خُطوة محمودة كشفت المستور وجرَّدَت الحقيقة من تلابيب الوَهم، لقيَت استحسان نسب كبيرة من المواطنين على عكس البعض الذي لا يَعترفُ إلاّ بقاعدة " لا يجب تأخير البيان عن وقت الحاجة ". والواقعُ أنّ البَيان تأخّر كثيراً، لكن حَبَّذا لو أبقى الساسة على ما تبنَّوْه من مواقف إزاء النظام المصري. لا المغربُ ولا مصر، كان مِن مَصلحتِهما مهاجَمة بعضهما؛ لأن لكل واحدٍ منهما عيوباً لا تُحصى ولا تُعَدّ، لهذا فقد اختارا إرجاع مِياهِهِما العَكِرة إلى مَجاريها الأصلية، وكانت زيارة وزير الخارجية المصري "سامح شكري" للمغرب العصا السّحرية التي قلبت واقعاً من المُشاحَنات والأزمة الدبلوماسية التي وَصلت إلى أوْجِها. فبَعد استقبال ملكي في فاس لوزير خارجية مصر، انقلب الحقّ باطلاً، وأصبح الانقلابُ العسكري ثورة ديمقراطية بكل المقاييس، والمغرب داعِماً للانتقال الديمقراطي المصري. في حين أنّ مصر تؤمن وتدعم موقف المغرب السيّادي وسياسته الداخلية. أليْسَ ما وَقع قمّة استِغباء الشّعب واستخفافاً بعُقولهم وَعبثاً دبلوماسياً؟هذا الأمر، حَقّاً، يُفقِد الأنظمة مصداقيَّتها، ويُخِلّ بالعقد الذي يَجمعُ الحاكِم بالمحكوم، ويُزعزع الثقة ويجعل من الممارسة السياسية لعبة سخيفة في يد طفل طائش.