يرى بعض المتتبعين للشأن السياسي المغربي ، بأن سنة 2013 سنة الديبلوماسية الملكية بإمتياز ، فقد شهدت السنة الأخيرة ،تحولا نوعيا في التعامل الملكي مع الشأن الخارجي ، مكسرا معتقد تازة قبل غزة،و نحصر الذكر هنا عن أخر زيارة ملكية لدولة مالي ، لتنصيب الرئيس الجديد إبراهيم كييتا،والتي جمعت بين البعد السياسي الديبلوماسي والديني والتضامني . لقد أجمع أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى بمالي ،على لسان الرئيس الشيخ محمود ديكو، بأن الزيارة الملكية الأخيرة ، تخرج عن النطاق السياسي لملك إتجاه دولة إفريقية لدواعي ديبلوماسية صرفة ، بل أجمعوا على كون الزيارة الميمونة لأمير المؤمنين محمد السادس، تدخل في إطار تفقد أمير لرعيته بإعتباره أميرا للمؤمين ، وحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،يقول السيد, "محمود ديكو" رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بمالي . وأضاف الشيخ بأن الزيارة في حد ذاتها شرف للماليين ، وعلى أنهم في أمس الحاجة لهذا السند الديني من قبل أمير المؤمنين ، والتبرك بحضرته غاية ومبتغى كل المؤمنين ، وعلى أن كل أعضاء المجلس على إستعداد لتقبيل يديه الشريفتين . لقد كان للبعد الديني في الزيارة رمزية خاصة ،خصوصا من أمير المؤمنين لدولة إفريقية صوفية تيجانية ، لم يتناسى مريدوها إرتباط مؤسس زاويتهم سيدي أحمد التيجاني ، بأرض المغرب وملوكه، وهو ما أعطى روحانية أكبر للزيارة. هذا دون أن نغفل عن الرمزية السياسية القوية التي سجلها حضور الملك محمد السادس، كونها أول زيارة يحضرها العاهل المغربي بصفة شخصية تهم تنصيب رئيس دولة إفريقية ،وهو الحدث الذي أسال مداد الإعلام الإفريقي عموما والمالي بشكل خاص , الزيارة كذلك ضربة قوية للتواجد الجزائري بالمنطقة ، لما بعد الحرب على المتطرفين ، وتقزيم لحجم الدور الجزائري بالمنطقة . إلى جانب إنتزاع الإعتراف التلقائي من النظام المالي الجديد بمغربية الصحراء ،وهي الخطوة التي تحسب للنظام المغربي وديبلوماسيته الجديدة ، الذي علم من أين تؤكل الكتف في هذه القضية ولو يتركها للجياع حسب المثل القائل. ويبقى البعد التضامني حاضرا في الزيارة من خلال الدعم الذي قدمه المغرب عسكريا للماليين في محنتهم ،على غير باقي دول الجوار ، لإنهاء الصراع الداخلي مع الجهات المتطرفة، لصالح بناء الدولة الديمقراطية ذات البعد الديني الوسطي حسب الخطاب الملكي ، وقد تجلى البعد التضامني للمغرب عمليا في تبني تكوين 500 إمام مالي بالمغرب ، سيرا على نهج التجربة المغربية في مقاربتها للشأن الديني بعقلية ومنطق الوسطية والإعتدال ، وإنشاء مستشفى عسكري من الدرجة الثالثة ، تخفيفا عن ضحايا العنف الأخير ، بمجانية في التطبيب والأدوية, حب الماليين لأمير المؤمنين لم يقتصر على مريدي الزوايا فحسب ،بل تعداهم إلى مواطنين لا منتمين، سمعوا بإسمه فتدفق الحب إلى قلوبهم تجاهه ، ,(نسيت إسمها) واحدة من العاملات في إحدى حانات الفندق ، لم تتردد في طلب مساعدة أحد أفراد الوفد المرافق للملك، لتمكينها من مقابلة أمير المؤمنين ، لا لشيء إلا لحب خالص إتجاهه لطيبته ونبل أخلاقه حسب قولها ، ولم يكن طلبها مجرد قول عابر بل تجاوزه لحد التوسل لبوغه . الديبلوماسية الإفريقية إذا ، وجدت ضالتها في عباءة إمارة المؤمنين ، التي جسدت على مر السنين للمغرب داخليا ،مظلة للوحدة والتراص ، وستكون حضنا أمنا لباقي دول الجوار ، إذا استحسن توظيفها بما يليق بمقامها .