بعد طول جدال، ننتظر الآن الضربة العسكرية ضد نظام الأسد في سوريا، بعد أن تجاوز كل الخطوط بمعايير السياسات الغربية. منذ اندلاع الثورة في سوريا وانتقالها إلى الكفاح المسلح ضد النظام، وقف المجتمع الدولي يتفرج ليس لأنه عاجز عن التدخل، بل لأنه كان يحسب نقاط الربح والخسارة، ثم تمايزت الآراء وانقسم العالم إلى مؤيد للنظام ومؤيد للمعارضة ومحايد يطالب بالحلول السياسية ويحث على الحوار. في هذا السياق يقف الرأي العام العربي والإسلامي حائرا بين إنقاذ ما تبقى من سوريا وتوجيه ضربة عسكرية حاسمة للنظام، وبين حرمة الوطن العربي ولو على حساب آلاف الأرواح التي زهقت ولا زالت تزهق. عندما تدخلت أمريكا عسكريا في ليبيا، استحسن الجميع التدخل واعتبروه حاسما في إنهاء نظام القذافي، لكن الوضع في سوريا مختلف جغرافيا وسياسيا، فهي الحليف القوي لإيران سابقا، وهي المصدر الأساسي لمرور السلاح المتطور إلى حزب الله، إضافة إلى استراتيجية موقعها بالنسبة لإسرائيل. إننا نتحدث الآن عن صياغة جديدة لموازين القوى بين إسرائيل ودول ما يسمى بمحور الممانعة، والولاياتالمتحدةالأمريكية ستلعب الدور الرئيس بتدخلها العسكري في قلب تلك المعادلة. من هذا المنطلق نصل إلى أن إنهاء المعركة لصالح المعارضة من الداخل هو الحل الأفضل، ولو طال أمد المعركة أكثر مما وصل إليه حتى الآن، لأن ذلك على الأقل سيضمن قوة قرار ولو نسبية للسلطة الجديدة بعد سقوط الأسد، وأصحاب هذا الخيار ليسوا بكثيرين، نظرا لضخامة تكاليفه البشرية والمالية، إضافة إلى إطالته لأمد الأزمة في المنطقة ككل، خصوصا وأن النظام وحلفاؤه يحاولون جر بعض الأطراف الدولية الأخرى إلى ساحة الحرب لتحقيق بعض النقاط التي تخوله أفضلية في أي فرصة تفاوض. وأخذا بالاعتبار الخيار أعلاه يبقى سيناريو التدخل العسكري هو الخيار المقبول دوليا وإقليميا خاصة من الدول المحادية لسوريا مثل تركيا التي ألحت منذ البداية على التدخل العسكري، وروجت له في كل المناسبات الدولية، وكذلك الأردن التي تعاني أزمات داخلية وقد ازداد الضغط عليها بفعل عمليات النزوح الجماعية لأراضيها وضخامة التكاليف الاقتصادية والأمنية عليها. الضربة العسكرية قادمة لا محالة، والشعور الوطني العربي سيتألم وهو يرى السلاح الغربي يقصف أرض الشام، خصوصا وأن هناك بعض الصحف التي أشارت إلى استنفار في قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما ينبئ بفرضية تدخل إسرائيلي ربما خفي لتدمير ما يمكن أن يشكل خطرا على أمنها بعد سقوط النظام. إننا بصدد توزيع جديد للأدوار في المنطقة ككل، سوريا ستلغى من حساب القوة، على الأقل في الأربعة عقود القادمة، وستحتاج إيران إلى حليف جديد في المنطقة وهو ما يبدو أصعب بعد المواقف التي اتخذتها طيلة الفترة التي شهدت الصراع في سوريا. ورجوعا إلى الدور العربي في ما يحدث الآن ومستقبلا لن يجادل اثنان في أن ذلك الدور لن يتعدى الترويج الإعلامي والدعم المالي، خصوصا دول الخليج وعلى رأسها السعودية وقطر، فلم يتغير الحال بعد، ولا زالت السياسات العربية مرتهنة إلى القرارات التي تتخذها الولاياتالمتحدة بالصيغة الدولية التي تتيح لها تحقيق أكبر قدر من المصلحة. إذن فالقضاء على نظام الأسد سيحتاج بعد أن تمت التضحية بآلاف الأرواح ثمنا باهضا آخر، وهو جرح الضمير العربي وإحراجه ونحن نشاهد استعمارا دوليا جديدا قد يحول سوريا إلى عراق آخر، فإلى أن تتحقق الحرية الشاملة، سندفع مزيدا من الثمن قد يتعدى تسمية الاستعمار.