نعى خالد الرحموني عضو الامانة العامة لحزب العدالة والتنمية، احمد الزايدي القيادي الاتحادي و زعيم تيار الانفتاح و الديمقراطية، اثر وفاته يوم الاحد الماضي . و اعتبر الرحموني رحيل الزايدي بأنها خسارة فارس في النزاهة، أمام رداءة نخبة. رحل عنا إلى دار البقاء واحد من الأعلام الكبار والقادة الوطنيين، رحل من دون سابق إشعار أو إنذار مبكر، هكذا خلسة اختطفه الموت من عالمنا، لكنه قدر الله في السابقين. مضى وانقضى، منذراً بعلامة أخرى من علامات انقراض جيل من جنسه وقبيله وطينته، جيل يؤشر على الفعل النبيل في ساحة العمل الوطني العام اليوم، لقد قضى فرس من النبلاء في مغرب اليوم، متخطياً الإنذار إلى التأكيد على ظاهرة شح وانقراض هذه الفصيلة العزيزة من المناضلين والشخصيات العامة من ساحة السياسة ببلدنا، حلة السياسة التي علتها مسحة كثيفة من الرداءة والبذاءة والإساءة والانحطاط، على الرغم مما بقي من نواذر قيادات وطنية تؤكد هذا الذي يراد لمشهدنا العام أن يبدو عليه، ارادة من البعض لقتل نبل السياسة بالاختطاف الرمزي لقادتها أو انهاكهم في معارك الهامش أوالتشنيع على ذوي المصداقية منهم أو نسف استقلالية بعضهم . 1-دلالة رحيل القادة، العبرة من الفناء الاخير لقد كانت سنة 2014 استثنائية لكونها شهدت رحيل العديدين من القادة والمناضلين الكبار، ولم يأب هذا الشهر أن ينقضي الا بطي صفحة سي أحمد الزايدي وجعله يلتحق بالسماء رفقة المهدي المنجرة وغيره من الكبار. ليس هناك مجال لبسط وجرد أسماء كبيرة لعبت دورها التاريخي كل في موقعه رحلت عن عالمنا، وليس بكاءاً جنائزيا على أطلال توحي بنبض سالف للحياة العامة وللذين مروا من دروبها، لم نعتد أن نمارسه. إلا أن رحيل بعض من هؤلاء من هذه الطينة تترك أسئلة كبيرة حول مستقبل النضال والثقافة والإبداع والسياسة والعمل العام في الجو الديمقراطي النبيل والاصيل والخلوق والواثق. فرحيلهم -للاسف- يقترن ربما مع قحط مدقع لجهة إنتاج وجوه فكرية وثقافية وسياسية جديدة وبديلة من الجيل الجديد، وهذا ما يجعل مستقبلنا قاتما مضببا، إذا ما قارنا ما سيكون عليه الوضع بعد رحيل أولئك الرموز والقادة. فلا يلوح في الأفق جيل جديد من من طينتهم وقامتهم، إلا ما نذر، وهذه حقيقة مؤلمة. ومن البديهي القول أن غياب المناضلين المخلصين عن صدارة الحركة السياسية في مغرب اليوم سيكون له أثر كارثي على هوية هذه الحركة ذاتها، على تميزها وعمقها وعلى صورتها أمام الناس وثقتهم بها، وعلى قدرتها أن تطرح نفسها بديلاً ذا مصداقية أفضل من الوضع السائد، بديل يرن رموزه أجراس الثقة في عقول الناس بإنصاف وتجرد ويؤشرون على مواطن الاختلالات الظاهرة والكامنة. لذلك من الصعب اليوم أن نستشرف نمواً ونهوضاً في المدى المنظور، لأن المؤشر الذي نستشفه من السائد الفكري لا يوحي إلا بالتقهقر. 2-الزايدي ارتقى: خسارة فارس في النزاهة، أمام رداءة نخبة حقا انها خسارة كبيرة ان يرحل عن عالمنا مثل هؤلاء. انها خسارة يعز تعويضها ان يرحل سي أحمد الزايدي عن الوطن الذي احبه كوطن وكقضية انتماءا وفداءا.المغرب الذي ما كان يوما بحاجة لرموزه الكبار كما هو الان بحاجة الى أمثاله للدفع بعجلة النبل والاصلاح والتعقل الى آفاق جديدة، ولا يختلف اثنان ممن يعرفون الفقيد ويشهدون لسيرته، على انه احد هؤلاء الرموز الكبار بخلقه وعلمه وثقافته وصلابته وبدأيته وحكمته وامكانياته القياديه الكبيره سياسيا واعلاميا وانسانيا. رحل والوطن الجريح لا زال يعيش في البؤرة منه كثير من الصغار-الذين تصدى بعضهم لمهام قتل السياسة والمعارضة بنبلها- ويدير بعض مؤسساته من يدمن على قيادة كيانه بعض الجهلة والمشكوك في انتمائهم الكفاحي وولائهم المستقل للمشروع الديمقراطي. لقد غيرت بعض من تلك المخلوقات وجه البلد الجميل المشرق الناهض. الذي طالما تفاخرنا به وبحكمة رجاله ومناضليه ووطنيتهم الصادقة وشجاعتهم وبطولاتهم عبر كل الازمنة في النضال من اجل بسط الحريات، وبالفخر بتاريخ الوطن العريق الحافل بالانجازات في المحافل الدولية. كم حلمنا بشأن عام يسيره الحكماء من طينة السي أحمد، وكلما رحل احدهم احسسنا بان الامل يبتعد اكثر فاكثر، ولا يبقى امامنا سوى صورة من بعض الرعاع الانتهازيين وهي تنهش ببعضها، رعاع يدفع بهم الحقد والكره والثأر والجهل والدونية لاعتلاء منصات قيادة المرحلة للامساك بناصية تنظيمات تمرست على الوطنية وتدربت على الحريات سنين الجمر والرصاص، والان تبيع تاريخها لصالح رهان الاقصاء والردة الديمقراطيين والسعي للبطش بالآخرين وفق رؤى محدودة ومشاريع سياسية سلطوية غبية تافهة كسيحة لا تقوى على الاقناع والصمود، ولا تتحمل الوقوف على ارض الواقع ولا تخدم سوى قوى ارتمت في احضانها وتعمل كبيادق لتحقيق مشاريع تلك القوى، مغتالة لتاريخها ورمزيتها. -يؤسفنا ان يرحل عنا سي أحمد وبرلماننا °الموقر° يعج بكثير من الاسماء الذميمة التي لم تعبر يوما عن اصالة البلد ورجاله وشهامة شعب كافح من أجل قضية الاصلاح والحرية. اسماء لم تكن يوما كبيرة لتع كبر المسؤولية التي تحملها، ولم تكن يوما نبيلة لتحس بحاجة الانسان المغربي الى الامان والاستقرار والاصلاح والحرية والوفاء والمصداقية بعد مشوار العذاب الطويل الذي عاناه الوطن، لتحس بعظمة ما يمكن ان يكونه، أو هي استكانت لاستبدال أدوارها. 3-رحيل خلف صدمة عارمة، جنازة رجل: إرثه النبل في العطاء للوطن -سي أحمد الزايدي تحقق له مأتم وطني كما يليق بحجم عطائه ضمن. لقد مر الفقيد عابرا في خلسة وغفلة وصدمة من الجميع، فكان التركيز من قبل الراثين له على أمرين: الأول الدور الوطني للراحل الكبير مهنيا كإعلامي من جيل الرواد،. أما الأمر الثاني فهو القيمة الأصيلة التي مثلتها شخصيته الخلوقة الاسرة في إطار معترك السياسة الرديئة ورموزها ومعاركها اليوم . وكواحد من آلاف الذين مروا وعاشوا وراقبوا واعتركوا، أحسست اليوم-وأنا أشهد جنازته المهيبة- أن تشييع جثمان الفقيد والجمهور الغفير الذين سجاه، أحسست أنني أنتمي إلى بلد-بالرغم من الاختلاف في الاطروحات- تعرف كيف تثمن قيمة بعض كبارها وكيف تحيي وتزكي مساهمات أبنائها الخلص، لقد أحسست بالامتنان والاحترام لجيل من الخلص الاوفياء السابقين والباقين. ولكن بالمقابل من ذلك أيضاً، أحسست بالغصة والإحباط، وبالنقمة المرّة على بقايا جيل آخر لا تثير فيه قيم الامتنان ولا الاحترام للقادة وهم بيننا أحياء، فقيمتهم تنبري حين يرحلون، رحل سي أحمد ولم يكتمل حلمه ومشروعه كما الكثيرين، هي أمانة في عنق رفاقه . وكواحد من شباب عديدين، أحسست-مع أمثال هذا الرمز العابر للحزبية-أن إنساناً يمنحني هذه المتعة الراقية المحترمة ويحفظ في وينمّي في كياني كل ما هو جميل وأصيل من قيم الممارسة النبيلة للسياسة، بل وهو –لحظات نضاله الحي-يبدع بإضافة جديدة في عالم الارتقاء بالسياسة ويذكي انتمائنا لنبلها، وبذلك فإنني أعلن، أن سي أحمد الزايدي كإنسان يمثلني وجيلي ويرفد القيم التي من أجلها نكافح، ولو أنه من طيف آخر وزمن آخر، ولذا فإن احترام رجالات النضال والبذل السخي له هو احترام لي أيضا ولجيلي الذي عاش الوعي بقضية الاصلاح، لكنني لم أتمالك نفسي من مقارنة عنيدة : ماذا لو رحل واحد من أمراء الحرب الأهلية التي يراد تسعيرها بين فرقاء العائلة الوطنية والديمقراطية، من قبل كثير من أولئك الذين صعدوا إلى مواقعهم المادية والسلطوية على ركام البلاد وإرث الفساد ممن ذممهم مشبوهة، أو من الذين أعطوا لبلدي موقعاً على خريطة الرداءة وساحة البؤس والانحطاط في الخطاب والممارسة للسياسة، في حين يبحث بعض من أمثالي على قيمة القيم في السياسة. لكن الزايدي وكثير من رفاقه المتفرقين على العائلة الديمقراطية والوطنية، في حياته كما هو رحيله الاخير، لم يفقد نضارة شبابه النضالي ووهجه الكفاحي، كي يظل الموقف النبيل في العمل العام أخضرا نقيا، شريفا حالة الخصومة والوفاق، كما رآه هو وهم . أجل هو وغيره من الكبار جعلونا نرى المغرب أحلى مما هو عليه، ورفعوه إلى قطعة جديرة بالانتماء، لقد هتفوا بمغرب الديمقراطية والوفاق والحريات والكرامة، فظل الهتاف الديمقراطي يتعتق عقوداً واعتنقه جيل آخر صاعد فأنشدوه-رسالة حسن طارق ورفاقه- . هو من لفيف أسماء كبيرة، أين لنا بمثلها كل في مجاله، أسماء رحلت عنا في صمت وبلا ضجيج، غيابها هو رمزية غياب الكبرياء الوطنية والحضارية عن ساحاتنا التي طغت عليها رداءة الاستهلاك التجاري للنضال، وقيمه المنحطة في الاعلام كما السياسة . سي أحمد الزايدي هو الذي كرّس جل عمله-الاعلامي سابقا والنضالي لاحقا- لبث نداء للمهاجرين من سوح العمل العام النبيل كي يعودوا للقيم، فلا سياسة بدون أخلاق : وسياسيو اليوم-في العملة الرديئة الرائجة الا من رحم الله- هم الذين كرّسوا صراعاتهم استجابة لأنانياتهم الواطئة ونزواتهم السمجة ونزعاتهم الاستئثارية، وأوشكوا على تحويل ريع العمل العام لبؤرة فساد وخراب وانحطاط، وسيروه وسيلة لدفع كل من تبقى من الشباب الواثق المنتفض إلى الهجرة بل القطيعة . لقد عرف الزايدي كيف يظل كبيراً شريفا راقيا في أدائه وحتى منتهى حياته، و عرف كيف يظل بسيطاً بساطة من لا يحتاج كبرياؤه إلى ادّعاء ولا تحتاج قيمته إلى شهادة-يكفيه شهادة الجموع المشيعة لروحه لمثواها الاخير- . كل ما كان يحتاجه-رغم وعثاء بعض من الصراعات التي اراد البعض شده الى قاعدها، لكنه ارتقى وارتفع- ما كان يحتاجه هو تلك البسمة العريضة العظيمة العفوية التي لا تشبهها إلا اشراقة الشمس على جبال الاطلس الشامخة والراسخة. الكثيرون قصّروا في حقه اليوم وبالأمس . ولا ندري في حق من سيقصّرون غداً، والبلد في حاجة لمثله وقيمه التي من أجلها ناضل ووفى. لكنهم في الواقع لم يفعلوا إلا ما يناسب قياس فهمهم للسياسة ونبلها والانسانية وعمق آصرتها ودورهما في الارتقاء بالشعوب، وشد لحمة الأمة المغربية وصيانة وإبداع خصوصياتها وخطها الفكري الذي يجعل منها شعباً لا قطيعاً . 4-الزايدي ورفاقه الاوفياء، في تكريس قيم نبل الساسة والسياسة الزايدي-وفق ما توارد على ألسنة المحبين له من المتفقين كما المخالفين- فيه ما في الرجال الكبار –لحظات صراعهم الجميل والنبيل-فيهم ذلك المزيج الدافىء من سلطة وحنو، من سعة ودقة، من هيبة وود، من تعالٍ وتواضع، من قرب ومسافة، من قسوة وتهذيب، من رقي وبساطة، من أستذة وتلمذة، من حسم وتروِ، من جنوح وتعقل، من نزق وحكمة، من تسامح وتشدد في الحساب الديمقراطي العصيب. كان واحداً منهم، وما أقلهم، في الكيان الاصيل للاتحاد، وكذلك كانت رسالته كما يرويها حسن طارق ورفاقه الاوفياء وكذلك كان ، يعرف كيف تكون الأخوة النضالية كفاً تتسع لتحتوي، وتنقبض لتربي، تمتد لتربت على رأس، أو لتضرب على ظاهر يد، تمسك بذراع لتسند كياناً أو لتهز كياناً أو لتحمي قيما، لقد وجدوه وراء ظهورهم للدعم إن احتاجوه ويجدونه أمام وجههم اصبع تنبيه، واشارة توجه. لقد قالوا أنه كان لهم صديقاً يقتسم معهم الرؤية والهدف وقسمة المعاناة، يصغي الى ان تتشكل الفسحة الكافية له ليلم هموم بقايا جيل في التصحيح الديمقراطي وفق بوصلة الانتقال في البلد الصاعد من كبوة، و كان وهو يتكلم علنا-وفق ما رأيت وسمعت- لا ليرضي سامعيه بموافقة منافقة مسايرة، أو بلغة مخدرة مسكنة تسكنها نستالجيا الانتماء للتاريخ المجيد وفقط، وانما قوله كان فصيحا كلغته الرشيقة لينقر بتمرس وحماس كبيرين-مع زمرة قوة التصحيح النضالي القاصدة من حسن والشامي ودومو وغيرهم- ليقول لجيلنا وللكثيرين و ببساطة حاسمة، اننا جميعا على حق هنا والان، وهم أولئك المقامرون بمستقبل نبل السياسة على خطأ هنالك يمعنون في مصادرة الراهن والمستقبل واغتيال الحلم الديمقراطي الوليد، خطابه المعلن كان فصيحا وعنيدا يقول: ان علينا جميعا ان نتمسك بحقنا في امكانية اخرى للعمل العام المبدئي الذي يخاصم الانتهاز في الفرص، ونكران الهوية والذات، بالقدر ذاته الذي يتصدى فيه لتصحيح الانحطاط والخطأ الذي يعترض مسيرة العمل الوطني العام والاصلاحي اليوم في الضفة الاخرى، وقد تقبل الزايدي في مسيرة كفاحه هته -بروح عذبة- أداء الثمن حتى ولو كان صعباً ومكلفا وباهضا ومرا. لقد كان أستاذاً بصمت لجيلنا هو وكثيرين من العازفين لحن الانتماء الصادق للشعب رغم تفارق الافاق الاديلوجية والسياسية، ميزته ان قدرته على التعليم لقيم الصمود لا تضاهيها الا قدرته على التعلم من ذات الجيل الوطني من مدرسة الصمود غير المتعب، ذاك التعلم الذي كان يرتوي من كل تيار للوطنية بأضلاعها ومرجعياتها.لم يكن ذلك سر عقله فقط، وانما سر شبابه النضالي أيضا. هو الذي حمل الشباب الى كهولة الكثيرين، مما كان يزرع من حوله الاستغراب والسؤال عن الافق والجدوى من السعي والتغريد خارج سرب المرحلة وايقاع التحكم، لأن الذين لا يفهمون النبل في السياسة يوقنون ان المحافظة قرينة الشيخوخة التي لا تجرؤ على الاقتراب من عقل يقظ مواظب على الغذاء الفكري المتجدد والنضالي المتمرس والذكي والصادق مثل رفاقه من الاوفياء، لكن وأيضا هو كان له قلب مواظب على العطاء والعناء، بلا عبث أو يأس بل بتفاؤل وتجدد ونماء وحيوية… شخصيته-كما روى الحاكون الاقربون، كما الابعدين منه- كانت مستقلة النشاط، رائعة الأناقة والوداعة، متقدة الروح الفطنة، مشحونة بالسعادة والانتماء الوطني والديمقراطي الاصيل، هي التي لم تتشكل حياتها الا من سلسلة رهيبة وعنيدة من المآسي والمشاكسات المهنية والسياسية، وعن جدارة كسب رهاناتها. لقد خبر من مهنة الصحافة أن التعلم متعة، والانتاج متعة، والنجاح متعة أكبر، والمغامرة في التصحيح والنقد المسؤول أيضا متعة. مهنته السابقة-وفق الرواة- علمته تدفق العبارة الانيقة والجميلة، بحيث يأخذ سامعيه لحظة الخطاب العام المرسل بالحديث المنطلق من رؤية تجمع الالتزام السياسي والفكري الى الاستنارة النقدية والتجذر في رصيد الوطن المكافح من أجل الحريات و الانفتاح المتخلق على المختلف، كل ذلك وهو كان لا يأخذ -الموت-المصيبة-القدر المحتوم- أبداً في حسابه… لا الموت الفردي القدري، ولا الموت الكفاحي لفكرته الاصلاحية التي التزمها بعناد رفقة أصدقائه وزملائه، علنا وفي العموم داخل بيت الوطن وفي حظيرة الحزب الذي هو ملك لكل المغاربة باعتباره شأنا عاما لهم وملكا من ثراتهم. وحسب الرواة، كان رحمه الله، مؤمناً بشدة بكل قناعاته، لذلك كان يشتعل بذلك الحماس الذي يقارب التسرع لمن لا يعرفه، أو لا يفهم منطقه المبدئي غير المقامر بمبادئه في السياسة والتنظيم والالتزام. هكذا قارب لحظة القدر، دون شيخوخة في سنه، ودون عجز في كفاحه الواثق، دون أي انذار او استهلال أو انهزام، اراد الحياة قيما خالدة وهب لها نفسه، وأراد الموت خطفة بتراء لروحه الوثابة، لقد ترك لنا-كل العائلة الوطنية- الفجاءة والدهشة واللاتوقع لحظة الوداع الاخير. 5-على سبيل الذكرى والعبرة : المبادئ حين تقاوم الانتهازية والرداءة والانحطاط من هم القادة المتواضعون الذين لا تشوبهم انتهازية ولا ميكيافيلية كي يذكرونا قليلاً بمناقبية وتواضع بوعبيد وبن بركة وسعة رؤيتهما من الذين كان ينتمي فكريا وسياسيا لأفقهما؟ تطول لائحة الأسئلة ولا تنتهي إلا لتذكرنا بأننا نسير إلى استنزاف مجمل موروثنا وتاريخنا دون أن ننتج غيره وقد وصلنا بعيداً في هذا المسير، أقول هذا وأنا المختلف معه فكريا من أفق للوطنية المغريبة مغاير في المرجعية الفكرية والتنظيمية. لا نقول هذا لنحبط من عزائمنا أو نزرع يأساً بيننا كجيل، بل لنشير أن ثمة مخاضاً عسيراً على مشروع التغيير الديمقراطي ببلدي أن يسلكه حين يتبلور، ومن أولى مهماته الانخراط في معركة الاصلاح الانقاذي المشترك من كل أبوابها والخوض في التثقيف والانهماك ببناء الذات الفردية والجماعية قبل الخروج بمبادرات عامة، ستكون عقيمة حتما إن كان طرحها غير نابع من بديل أفضل تشكلاً من السائد. لقد كان سي أحمد الزايدي مثالا للمناضل الفذ والاستاذ النبيل بكلامه المتزن والمعبر وبشخصيته الرصينه الهادئه ونظرته الثاقبه ورغبته الحقيقيه في تقديم الخدمه والمعونه والمشوره، وفوق كل ذلك إحساسه الجميل بالموده والصداقة، ذلك الاحساس الذي كان حريصا على نقله لمحاوريه من خلال جعلهم يحسون بدفئ مشاعره وصدقها. كم تمنيت ان تكون مؤسساتنا السياسية والحزبية-ذات الماضي في الكفاح النبيل- موقرة حقا وصدقا تستعيد فخرها برجال كالراحل سي أحمد الزايدي، رجل-ومثله كثير- افنى عمره لاجل وطنه وقضية شعبه. رجل حمل كل الصفات التي كانت تؤهله مع من هم من نفس طينته لبناء مغرب الغد و الامل، مغرب يحمل الخير الكثير لابنائه الطيبين دون تمييز. سنجبر انفسنا على الامل بغرب الامل، وسنبقى نتذكر كجيل الانسان الرائع أحمد الزايدي –ودوره مع السابقين من الكبار- الى الابد، ما حيينا. رحم الله الفقيد وغفر لنا وله، وأسكنه فسيح جناته، انا لله وانا اليه راجعون، عزاؤنا واحد.