يعاني مثقفوا الأمة حالة من الوهن التربوي، وتتجلى مظاهره في عدم القدرة على تفعيل الأفكار في شرايين المجتمع،فأمامهم أوضاع الفرقة التي يعجزون عن رتقها ولم شملها، وحالات انحراف الشباب وضياعهم السلوكي، وإن خطبوا في المحافل قل من يستجيب لهم، ذلك أن من أسباب عدم فاعلية دور المثقف في مجتمعه تدخله لعلاج المشكلات ولكن بنفس استعلائي ينفر الناس منه، أو لكونه يفقد الصدق والإخلاص في عمله،فلاترى بركة في تدبيره،أو لضعف مستواه العلمي ومهاراته التواصلية كما نلاحظه في كثير من الخطباء والوعاظ والمحاضرين،أو لانتسابه لمؤسسات فقدت المصداقية أو كادت تفقدها لدى الجمهور. ومن المثقفين من اختاروا التقاعد والاعتزال والاستقالة من دورهم الاجتماعي والإصلاحي فملأوا المقاهي،أو انزووا في بيوتهم،كما قال أحدهم: متعتي في الدنيا ؛امرأة وعلبة سجائر وانتظارالراتب الشهري إلى الراتب الشهري فذلكم الرباط! فذلكم الرباط! فكان أن انهارت الأسرة،وتمرد الأطفال،ونشزت النساء،وحل الشقاء البيوت،واستبدلت بالمقاهي. وهناك آفة في الفاعلين في ميدان المجتمع المدني،وهي نجاح أفعالهم الفردية،وفشل جهودهم الجماعية،بمعنى أن من مظاهر المشكلة التربوية فشل كثير من محاولات تجميع المثقفين في هيآت وجمعيات؛نظرا للاحتكاك الذي يؤدي إلى بروز بعض الأمراض التربوية كالحسد وحب الظهور وعدم الإخلاص، وتأويل التصرفات بسوء الظن مما يدفع الشركاء إلى فض عقدهم، والعود إلى حال الفردانية،وهذا مانلاحظه في كثير من الدعاة والفنانين والفاعلين الجمعويين ممن لاتنجح جهود تجميعهم في صيغ جماعية،لكن في حال تفرقهم يبلون البلاء الحسن، ولعل من أسباب هذه الآفة غياب القيادة الناضجة في العمل الجماعي،وضعف الوازع الديني،وغلبة الرغبة في تحصيل المكاسب الدنيوية من مال وشهرة وعلاقات مصلحية. ومن معضلات مثقفي الحركة الإسلامية؛العقلية الحزبية التي صارت آفة العصر،فلاموالاة إلا لمن انتمى لهذا التنظيم أو ذاك،أو لهذا الحزب أوذاك، فتغيب في ظل هذا الوضع العصبي قيم إسلامية رفيعة كالحب في الله،والتعاون على البر والتقوى،فيصير التنظيم (تصنيم التنظيم) معيارا للولاء والبراء،ويتم التقريب والإبعاد بناء على انتسابك لهذا العمل أو عدمه،وتفتح أبواب الفرص وتغلق بناء على هذا المعيار،فتضيق ساحة الإسلام الرحبة بسبب هذه التدابير، مما ينفر الناس من هذا التضييق الذي لايزيد الأمة إلا فرقة،وإنما المشكلة في كثير من الأحيان بسبب نفسية التحزب التي تضيق بصاحبها عن استيعاب الناس من مختلف المشارب والتوجهات،فعوض ضم القريب وتقريب البعيد كما تقول مقولاتهم؛يتم إبعاد القريب،وإقصاء البعيد. وهناك من مثقفينا من يؤثر فيهم المنصب والمكانة الاجتماعية التي حصلوا عليها بهذه الطريقة أوتلك، فيتحولون من التواضع إلى الكبر،ومن البساطة إلى الاستعلاء، وتصعير الخد لمن كانوا بالأمس رفاقهم، بل منهم من يبالغ في إظهار العداوة وعدم الصلة بمن كانوا أصدقاء له، ليبرهن على حسن نيته في الانخراط في مهامه بتجرد دون مراعاة صداقاة ولاعداواة، والحقيقة أن ضعف الشخصية يلعب دورا كبيرا في تحول و تغير توجهات كثير من الناس لفقدهم المبدئية،وعدم قدرتهم على الحفاظ على توازنهم النفسي أمام مطالب الوظيفة والمنصب ومطالب القيم والمبادئ،والدليل وجود عدد من المثقفين حافظوا على طبيعتهم الشخصية وصفاتهم المبدئية؛ ولم تؤثر فيهم لاعصبيات ولا مناصب ولا مكاسب دنيوية ولاشهرة. ومن المثقفين من طلقوا محراب العلم،وانصرفوا إلى الدنيا فانخرطوا في المشاريع الاستثمارية وتهافتوا على الوداديات السكنية،وأنشأوا المقاولات لتجميع الأموال؛ تكاثرا وتفاخرا،لأنهم وجدوا البوار قرين طلب العلم،فغادروا ثغرهم الأصلي الذي سيحاسبون عليه،واختاروا الدنيا وزينتها،ولله در الشاعر حين قال: إذا أبقت الدنيا على المرء دينه فماضاع منها فليس يضير وهؤلاء لسان حالهم يقول: إذا أبقت الدنيا على المرء ماله فماضاع من العلم أو الدين فليس يضير معذرة أيها المثقفون النجباء،الذين اختاروا محراب العلم معبدا، وخالطوا الناس رغم أذيتهم لهم، فمن حقكم أن تذكروا بخصالكم الطيبة،ومكارمكم الشريفة،أنتم الذي تصبرون على جفاء القريب،وأذى البعيد، وتجاملون الناس وتدارونهم حفظا لمودتهم وإبقاء لحال الجماعة قائما حتى لاتفشلوا وتذهب ريحكم، وتصدقون مع أصدقائكم وتستعملون المروءة البالغة في صحبتكم لغيركم،بمشاعر رقيقة،وخصال لطيفة،وكلمات طيبة تختارونها ملائمة للحال مطابقة للمقام، قصدكم وجه الله فيماتصنعون،همكم في بلوغ الصواب في تدبيركم، إذا قصدتم عند الحاجة لبيتم من غيرتماطل، إذا استنصحتم نصحتم بلطف ورفق، سيماء الصدق في سمتكم،لايحبكم إلا حبيب ،ولايبغضكم إلا لئيم،قد فاز بفضيلة الصحبة من صاحبكم،واقتبس من جميل خصالكم من رافقكم،فلكم تحياتي الطيبة ومتمنياتي القلبية بالحفظ وكمال العفو وحسن العافية.