رئيس مجلس النواب الاستقلالي كريم غلاب، يرفع سماعة هاتفه ويتصل بالنائب التجمعي محمد حنين، رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالبرلمان، ليطلب منه توقيف مناقشة مقترح مشروع القانون التنظيمي المتعلق بلجان تقصي الحقائق في 28 من يونيو المنصرم، وذلك وفق ما أعلنه الوزير الإسلامي المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الحبيب شوباني، أمس الاثنين بالبرلمان. كلام الشوباني، رأى فيه متتبعون اتهاما صريحا لكريم غلاب، بتنفيذ تعليمات الدولة العميقة، التي ما فتئ بنكيران وإخوانه يتهمونها بالتشويش على تجربتهم في الحكومة، وأن ما قام به رئيس البرلمان، الذي ينتمي لحزب الاستقلال المنسحب أخيرا من الحكومة، يدخل في هذا الإطار، ومحاولة إرباك سياق الانتقال. وأضاف الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، أن القرار المفاجئ وغير المفهوم من غلاب، دفع الحكومة إلى تقديم مشروع قانون تنظيمي حول الموضوع رغبة وحرصا من الحكومة على تفعيل الدستور، فضلا على أهمية الموضوع ومدى استعجاليته، مؤكدا أنه جاء من أجل تفعيل الدستور على مستوى مؤسسات الدولة بعدما تخلى البرلمان عن المبادرة، الأمر الذي يمكن أن يفهم من خلاله محاولة جديدة للإيقاع بالحكومة في معركة مع مؤسسة البرلمان. وحسب هذه الرواية، فإن البرلمان وكريم غلاب لا يمثل سوى مجرد جزء من قصة القانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق، حيث أنه يبرز بشكل جلي الدور المحوري للأمانة العامة للحكومة في هذا الملف، والتي يرى فيها الكثيرون آلة للضبط والتحكم في القوانين التنظيمية التي تصدرها الحكومة، وأن الجهات التي أشارت لغلاب بتجميد مقترح البرلمانيين هي عينها التي أمرت الأمانة العامة بالإسراع في إخراج المشروع وطرحه في المجلس الحكومي. ورغم كل ما يمكن أن يفهم منه محاولة للمزيد من التشويش والتأثير على التجربة الحكومية بما تتخبط فيه من مشاكل، هناك رأي يقول بأن ما قام به الحبيب الشوباني أمس بالبرلمان، مجرد محاولة لإبعاد التهمة عن نفسه وإلصاقها بكريم غلاب، معتبرين أن الأصل في الموضوع هو أن يرجع الشوباني إلى الحكومة ليعابتها ويحتج على رئيسه فيها. وينظر أصحاب هذا الرأي، إلى أن القضية في عمقها تتمثل في إرادة القصر الذي رفض أن يعد البرلمان قانونا تنظيميا والحكومة سايرته في ذلك، وأن الوزير الإسلامي أراد أن يقول إنه لا يوافق على ما حصل ويبرئ نفسه منه، كما أن الحكومة لم تحترم البرلمان وما عدا ذلك يبقى تفاصيل، فإذا كانت الحكومة تعرف أن البرلمان يعد قانونا، فلماذا أعطت لنفسها الحق في تكرار نفس العمل؟ بل كان عليها أن تتركه يعمل. كما أوضح من ذهبوا لهذا الرأي، أنه كان على الشوباني أن يواجه الدولة العميقة عنده في الحكومة أولا، لأن الأمانة العامة للحكومة "ضحكت عليهم كاملين لا دولة عميقة ولا بسيطة" الأمور واضحة، محملين المسؤولية لرئيس الحكومة الذي يفترض أن تشتغل الأمانة العامة تحت مسؤوليته وليس مسؤولية الشوباني أو جهات أخرى، في إشارة إلى التوظيف البين الذي استعملت فيه الأمانة العامة للحكومة كما رئيس البرلمان لتمرير إرادة القصر في غفلة من الحكومة ورئاستها.