إذا قلتُ بأن الحكمَ على شباب الفايسبوك بتهمة الاشادة بالارهاب جائرٌ ومبالغٌ فيه، فهل يعتبر رأيي إشادة بالإرهاب؟؟ لا أدري، فرغم نبذي للعنف وخطاب الكراهية، أعتبر الحكمَ بسنة سجنا على شباب بسبب تدوينة افتراضية حكماً قاسيا، فإذا قِسنا على مبرراته القانونية، فالمفروض أن يكون أغلبُنا في السجن، فكلنا في لحظة ما، وفي إطار تفاعلنا المتسرٌِع مع الاحداث، قد تصدر عنا تدوينات انفعالية غاضبة وعنيفة اتجاه أشخاص أو هيئات تستفزنا أو تتعارض مع مرجعيتنا الفكرية، نضطر أحيانا إلى حذفها أو الاعتذار عنها حين نهدأ أو نأخذ مسافة من الأحداث، أو نقتنع بتقديرنا السيء للأمور بعد حوار هادىء مع الآخرين.. هذا الحكم يجب أن يفتح نقاشا عموميا حقوقيا وتربويا، في الاعلام وفضاءات التواصل وفي المؤسسات التعليمية، حول مفهوم الاشادة بالارهاب، ومفهوم خطاب الكراهية، وحول حدود الخاص والعام في مواقع التواصل الاجتماعي، وحول تمثلاتنا الملتبسة للنشر الافتراضي الذي لا يزال أغلبنا يعتبره محدودا ومغلقا وشخصيا وخارج الرقابة والمحاسبة.. تتطور تكنولوجيا التواصل بشكل متسارع عالميا، ونكتفي بمواكبة ابتكاراتها الجديدة لحظة بلحظة، وبفتح مجال ترويجها للشركات الكبرى بتحرر ونَهَمٍ تجاري، وننسى أن نواكب ثورة التكنولوجيا ثقافيا وفكريا ومجتمعيا، بمناهج تعليمية جديدة ومنفتحة، وبتربية قانونية وحقوقية، كي نهيء جيلا يتعامل مع مواقع التواصل بوعي ومعرفة وأخلاق واحترام للخصوصية وقيم التعددية والاختلاف.. يبدو أن شباب العدالة والتنمية كانوا فقط ضحية خذلان من مؤسستهم الحزبية، أظنهم لم يحاكموا باسم القانون بل باسم السياسة، كان يمكن أن يكون حكما آخرا في سياق سياسي آخر!.. لا أَجِد الكلمات لأصف إحساسي اللحظة، هو أقرب لإحساس كثيف بالخوف وبالاختناق وبالقلق من المستقبل أمام ما يمر به الوطن من تراجعات حقوقية.. كان المفروض أن أصمت، كما يُطلب مني دائما، وكما يصمت الكثيرون.. كان من المحتمل أن لا أبالي، بما أنني لا أعرفهم، ولا أنتمي لمرجعيتهم لا سياسيا ولا فكريا، كما نفعل عادة.. لكنني تذكرت قول القِس الالماني «Martin Niemöller» في قصيدته الشهيرة «First They Came»: جاؤُوا أوّلاً إلى الشّيُوعيّين، وَلَمْ أرفَعْ صَوْتِي، لأنّي لَمْ أكُنْ شُيوعيًّا. ثُمّ جاؤُوا إلى الاشتراكيّين، وَلَمْ أرفَعْ صَوْتِي، لأنّي لَمْ أكُنْ اشتراكيًّا. ثمّ جاؤُوا إلى أعْضاء النّقابات، وَلَمْ أرفَعْ صَوْتِي، لأنّي لَمْ أكُنْ نقابيًّا. ثمّ جاؤُوا إلى اليَهُود، فَلَمْ أرْفَعْ صَوْتِي، لأنّي لَمْ أكُنْ يهوديًّا. بَعْدَئذٍ جاؤُوا إليَّ، فَلَمْ يَتَبَقَّ أحَدٌ لِيَرْفَعَ صَوْتَهُ لأجْلِي.