إذا كانت الحاجة أم الاختراع، فإن الظروف الصعبة للعديد من المهاجرات الإفريقيات من جنوب الصحراء، وضيق ذات اليد، ألجأتهن إلى ابتكار صالونات حلاقة وتجميل في الهواء الطلق . ففي ساحة "باب مراكش" الشهيرة، وسط الدارالبيضاء، حيث تعانق المدينة القديمة بقصباتها ومساجدها وزواياها ودورها العتيقة، (تُعانق) المدينة الحديثة بفنادقها المصنفة ومراكزها التجارية وبنايتها الشاهقة، تتواجد صالونات مفتوحة بدون ستائر، تؤتثها كراسٍ بلاستيكية ومظلات شمسية وبعض الإكسسوارات والأدوات البسيطة اللازمة للعمل، تذكر المارة بطقوس الحلاقة الشعبية في مغرب الستينات والسبعينات بالأسواق الأسبوعية. هن نساء إفريقيات من جنسيات مختلفة وبأعمار متقاربة، شابات، يافعات، متزوجات، وغير متزوجات، تُميزهن ملابس بألوان فاقعة وتسريحات شعر غير معتادة إضافة إلى كثير من "التعاويذ"، تُوحي لك بأن دخلت مكانا بعبق إفريقي جنوب الصحراء. يتفرقن على أنحاء الساحة، في نوع من تبادل الأدوار فيما بينهن، بعضهن يطفن أرجاءها جيئة وذهابا دون كلل أو ملل من أجل "اقتناص" زبونة محتملة". ما أن يرمقن شابة مارة من الفضاء، حتى يبدأن مطاردتها بالخطوات والكلمات: "تعالي تصايبي أحبيبة"، كلمات اعتدن على ترديدها لاستدراج الزبونات، ربما هي كل ما يحفظن من لغة أهل البلد . ليست طريقتهن ولباسهن ولا حتى كلامهن ما يدفع بعض المغربيات والسائحات الأجنبيات للإقبال على هذه الخدمة، فالخدمات والعروض المقترحة مغرية ومتعددة، "فظفائر الراسطة" الشهيرة بشعر حقيقي أو مستعار مثلا لا تتعدى 200 درهم، أما "تركيب الرموش" والعناية بالأظافر وغيرها من الخدمات، فتتراوح بين 50 و100 درهم... لا مقارنة هنا مع صالونات البيضاء الراقية ! . ما يميز هؤلاء "النكافات الإفريقيات" هو خفتهن في العمل، وانهماكهن الجماعي فيه.. لا يكسر ذلك إلا بعض الضحكات تعلو هنا أو هناك.. أمر يظهر أنه أصبح اعتياديا بالنسبة للزبونات، مما يدفع بعضهن إلى المشاركة في هذا المزاح: "نتوما بحال التلفون ديال الزنقة متهدرو حتى تصرطو الفلوس"، تقول "ليلى" مخاطبة إحداهن وهي تمنحها أجرتها . أمر تعلق عليه "فاطيم" شابة من السينغال (أو فاطمة كما يحلو لها أن ينادى عليها): "لقد اعتدنا العمل هنا والجميع اعتاد علينا، رغم أننا نتواجد على بعد أمتار من مخفر الشرطة فلا مشكل لنا مع الشرطة " . أمر تؤكده " نكيمة"، شابة ذات 23 ربيعا من الكونغو: "حقا المغرب بلد جميل والمغاربة ودودون" . اعتراف تستدرك عليه "عائشة" من الكوت ديفوار قائلة: المغاربة الرجال طيبون أما الإناث فبعضهن غير لطيفات... كثيرات منهن يصفن الواحدة منا ب: " عزية" ! تقصد شابة ببشرة سوداء . لكن يبدو أن المهاجرات الإفريقيات سعيدات بتواجدهن بالمغرب، وربما عوضن به حلم الجنة الأوروبية، لكنهن اخترن إنشاء صالونات مفتوحة في الهواء الطلق هروبا من ذل السؤال، أُعطينَ أو مُنعنَ.