تابعت كثيرا وعبر مسافات متقطعة من الزمن، كيف كان الرجل ينبعث من رماده، وكيف كان يحضر ثم يغيب كطائر الفينق الأسطوري، كيف كان يتدخل ببصمة المهنية والحرفنة ليتنحى جانبا كأي محارب يطلب فترة للإستراحة وإلتقاط الأنفاس، قبل أن يعود أشد بأسا، أكثر حكمة ومشبعا بالكياسة الناذرة والمفترضة في ذات الوقت· هو عبد الله غلام رئيس الرجاء البيضاوي، تلك القلعة الحصينة والرقم الصعب في معادلة البطولة وكيان الكرة بالمغرب، والذي أسعفني الحظ لأن أحضر >كونغرس البيت الأخضر< الساخن إن جاز التعبير الصيف المنقضي، على إيقاعات الدسائس وعلى إيقاعات تفجير الألغام وأيضا نسف صرح وعش النسور كما يذكر الكل على خلفية ما عرف واصطلح عليه >بقضية بلعوباد<·· وتسني لي أيضا معرفة أي صنف من الرجال هو وأية طبيعة هادئة لدرجة الإستفزاز تلك التي جُبِلَ وطُبعَ عليها، وأي معدن هو لا ينصهر ولا يلين أمام أكثر البراكين حِمَما وأكثر الرياح قوة وعُتيا، وما جعلني أستحضره بالذكر هو معاينتي لواقع الرجاء الحالي، لسمفونيات الإبداع كما تخطها أقدام لاعبيه، لفواصل المتعة كما ينسجها كوراله الجماعي، واقع عاد بنا لزمن رجاء الطرب والإمتاع و>لرجاء دقة دقة<، ومن شاهد تجليات صولات مطبوعة باللون الأخضر الذي يصنع ربيع البطولة حاليا، لابد وأن يرفع القبعة لشخص واحد إسمه عبد الله غلام، كرجل قاد الجوقة ولم ينسحب ولم يقايض في أشد الأزمنة صعوبة ووطأة ، ولم يزايد بوعوده، قالها ذات يوم وكنت ناقلا للخبر بكل الضجة التي خلفها، وبكل الهزات الإرتدادية التي أحدثها >لا، لن نلعب هذه السنة على الألقاب<، حدث هذا الموسم الماضي، فقلت وللأمانة أفصح عن هذا الآن بأنه منتهى الحمق والجنون، بل منتهى السذاجة أن يصدر قول كهذا، من رئيس كهذا، عن فريق كهذا·· قلت ما الذي يمنع غلام من أن يطلق فقاعة هوائية كالتي يطلقها غيره ليخمد نار الإحتجاج ويرهن حناجر الرافضين على الأقل لنهاية الموسم ويتقي شرهم؟ ما الذي يمنعه من أن يطلق بالونا في السماء بوعد يحمل هبات الطمأنة والإغراء، بدل أن يتحمل كل ما سيتحمله جراء تصريحه هذا؟ لتنهي الرجاء موسمها مع إيف شاي ثالثة بثياب متجددة وبعروض مقنعة·· وبالفعل غلام كان ابن الدار العارف بالأسرار، بل تكلم بصوت الحكيم وليس اللئيم، واحترم منطق الأشياء وقبلها احترم شعور >جمهور الرجاء وجمهوريتها< قبل كل شيء، ومعهما احترم مبادءه التي لا تقبل أن تساوم·· ليأتي بعدها وجه ثان أشاح به غلام هذه المرة في عز التوتر والإنفعال، وأمام أكثر العواصف وحشا وهوجا قال: >سنخرج من الجهاد الأصغر للجهاد الأكبر، فهذا زمن الرجاء<، وحينها أراح وإستراح بل بذات القدر الذي طمأن المناصرين، ارتعدت فيه فرائص الخصوم لأنهم أدركوا أنهم أمام رجل يدير لسانه داخل خيشومه 7 مرات فلا يطلق الكلام على عواهن الهزل واليوم ها هي الرجاء المجتهدة في ثلثين من بطولة تدين لها بالولاء المطلق في إنتظار مسك الثلث المتبقى، راكبة على بساط الريح في القمة وحيدة، زعيمة، فارسة ومتعملقة على هودج تستحقه ولم تسرقه، فما معنى أن تدك أحصنة المسيرة بخماسية والمحمدية وسلا بالرباعية والجيش بالثلاثية، إن لم تكن صاحب ألمعية؟ وإن كان هناك من صاحب فضل حتى وإن كان البعض قد لا يشاطر الطرح في شموليته، فهو عبد الله غلام، لأنه باختصار، حين كانت الضرورة تقتضي منح الجمهور مخذرا أو أسبرينا منوما ليجعلهم يدخلون غطيط ونوم العسل لم يفعل ولم يتجرأ، بل جابه الواقع وأقر به وتحمل توابعه، ومثل هذه الطينة التي تحترم شعور الجمهور وتنتصر لمبادئها هي في طريقها للإنقراض· لذلك لا يحسب لغلام أنه كل مرة يأتي ويذهب تاركا في خزينة النسور سيولة محترمة بعيدة عن لغة العجز الكلاسيكي، ولا يحسب له أنه يغلب عليه >ستريس< إنفعالي حاد يجعله يقاطع تتبع لقاءات فريقه مباشرة لغاية الصافرة النهائية من وقع الحب المفرط، بل ما يحسب له هو أنه ليس من الصنف الببغاوي، الشعبوي الذي يبيع الوهم والوعود الكاذبة والبراقة، ما يحسب لغلام أنه ليس بياع كلام ولا سارق أحلام·