أسدل الستار على حصيلة المنتخب المغربي في مونديال روسيا بإيجابياتها وسلبياتها، ورغم الخروج المبكر للأسود، إلا أن الحضور التقني والتكتيكي كان جيدا، ومكن منتخب الأسود من الخروج مرفوع الرأس، بعد أداء رائع، كسره الظلم التحكيمي وتقنية الفيديو التي خطفت من أصدقاء نورالدين أمرابط تأهلا مستحقا، وأكدت أن التكنولوجيا إغتالت حماس اللاعبين وحضورهم الجيد، بشهادة جميع المتتبعين، بأداء كان رائعا جمع بين ما هو تكتيكي وتقني. لائحة مثالية لم يجد هرفي رونار الكثير من العناء من أجل اختيار لائحة اللاعبين المشاركين في المونديال، وكان على حق عندما أكد قبل الحسم فيها أنه يعرف اختياراته بنسبة 90 في المائة، ما يعني أن نواة الأسود كانت بين يديه، وبقي فقط اختيار بعض اللاعبين من أجل إتمام 23 لاعب. ولم يخرج رونار عن اللاعبين الذين شاركوا معه في المباريات الحاسمة في التصفيات المونديالية، إيمانا منه أن الإستقرار البشري، يعتبر من أسباب النجاح، والأكثر من هذا، أنه كان يعرف قيمة لاعبيه وحسن استجابتهم مع الأسلوب الذي يعتمد عليه، كما وضع أيضا الانسجام وروح المجموعة من أسباب هذه الإختيارات، ليسهل عليه تدبير مجموعته في روسيا. قبل المونديال عكست الوديات الثلاث التي خاضها المنتخب المغربي قبل دخول رحى المونديال، ما يفكر فيه هرفي رونار، والأسلوب الذي سيعتمد عليه، لكن هذه الوديات كانت أيضا اختبارا وبروفة قبل انطلاق المونديال. واختار رونار في الواقع أسلوب التمويه وكأني به كان يريد تمرير رسالة لخصومه، يؤكد فيها أن المنتخب المغربي، بإمكانه أن يُنوع في أسلوبه التكتيكي واختياراته التقنية والبشرية، ولا يعتمد على نهج واحد، بدليل أنه لعب في الشوط الأول من مباراة أوكرانيا بخطة 3 5 2، بينما آثر أن يلعب مباراتي صربيا وسلوفاكيا بنهج آخر يعتمد أكثر على الأسلوب الذي غالبا ما يعتمد عليه، دون استثناء أيضا تغييره لمراكز بعض اللاعبين وتجريبهم قبل انطلاق المونديال. الأسود وإيران لم يغير رونار على أسلوبه في التعامل مع المباراة ولا في التشكيل الذي اعتمد عليه، باستثناء متغير واحد تمثل في الإعتماد على نورالدين أمرابط في مركز الظهير الأيمن ووضع مكانه أمين حارث. صحيح أن رونار اعتمد على نفس الأسلوب، غير أن العائق الوحيد، كان هو تسييج أمرابط في هذا المركز، الذي لا يجد فيه الكثير من الحرية ولا يستفيد منه المنتخب المغربي كثيرا، وظهر أن الهجوم ينقصه شيء ما لعدم وضعه في هذه الجبهة، بدليل أن الضغط الهجومي لم يستمر على إيران سوى 20 دقيقة. نهج المنتخب المغربي كان على العموم جيدا، لكنه تقهقر بتقهقر أداء بعض اللاعبين مع توالي دقائق هذه المباراة، إذ لم يكن بوصوفة وزياش والأحمدي في كامل الفورمة، الشيء الذي أضاع انتصار الأسود في المباراة. اللمسة الأخيرة إستمرار لتحليل مباراة إيران، تأكد بأن الآلة الهجومية لم تتحرك على في المباراة وغابت النجاعة، صحيح أن لاعبي الوسط لم يساعدوا المهاجمين في أداء مهمتهم على أكمل وجه لتمرير الكرات الحاسمة، لكن الكعبي وحارث وغيرهما من دخلوا في الشوط الثاني، غاب عنهم الحسم والجرأة، وذابوا داخل الكماشة الدفاعية للمنتخب الإيراني الذي نجح في خطته، فاعتمد على الهجمات المرتدة، بدليل أنه كان أكثر خطورة في الشوط الثاني. أمرابط وكلمة السر فطن رونار إلى أن التوظيف الأمثل لأمرابط هو الهجوم، نظرا للإمكانيات التي يتوفر عليها، وكذا قوة اختراقاته وحسه الإندفاعي، وجرأته أيضا في اتخاذ القرارات الهجومية، فكان أن اتخذ القرار الصائب، بعد أن وضع أمرابط في مكانه الطبيعي، أي في الجهة اليمنى، خاصة مع عودة نبيل درار وتعافيه من الإصابة. وشكل أمرابط محور هجمات المنتخب المغربي ونقطة قوته، في واحدة من أفضل المباريات التي خاضها، وشكل سما زعافا للمهاجمين البرتغاليين، وساعده في ذلك النهج الهجومي لذي لعب به المنتخب المغربي. ونجح المنتخب المغربي في هذه المباراة وتسيدها تكتيكيا، بفضل الضغط الذي مارسه من الوسط، وخنق أصدقاء رونالدو، بدليل الفرص التي أتيحت له، وكذا التراجع الكبير الذي راهن عليه أصدقاء رونالدو. هاجس النجاعة الهجومية والمباراة الثانية أمام البرتغال تسدل ستارتها، تأكد أن المنتخب المغربي تأثر كثيرا بغياب النجاعة الهجومية، ولم يقو على تجاوز هذا الهاجس في مباراتين، علما أن القلق سيطر على جبهة الهجوم قبل المونديال، ذلك أن المنتخب المغربي، تعذر عليه التسجيل في مباراتين، ما يؤكد أن هذا المركز لم يواز طموحات الأسود. وربما لم يكن رونار في هذه المباراة موفقا في تغييراته، حيث كان من الممكن أن يعتمد على مهاجمين أكثر نجاعة في الشوط الثاني، بدل الأسماء التي اعتمد عليها، حيث كان ممكنا أن يدخل مثلا حارث إلى جانب النصيري، ناهيك أن رونار لم يعتمد على الزيادة العددية الهجومية، في وقت كان المنتخب المغربي متسيدا مباراة البرتغال، وكان مطالبا بوضع مهاجمين صريحين، لكنه قام بتغيير مركز بمركز، عندما أدخل الكعبي بدلا من بوطيب. ثورة تكتيكية على الماطادور وضع رونار تكتيكا مختلفا أمام إسبانيا مقارنة بمباراته أمام كل من إيران وإسبانيا، حيث آثر أن يعيد آلة الأسود للشراسة التكتيكية وتحصين الدفاع والوسط، مع الإعتماد على الهجمات المرتدة الخاطفة. المدرب الفرنسي كان يعرف أنه يواجه منتخبا يملك كل الإمكانيات لخلخلة الدفاع والوسط بسهولة، وعبر التمريرات القصيرة ومهارات لاعبيه، لذلك كان عليه أن يغير من تكتيكه، الشيء الذي نجح فيه إلى حد كبير، فسدَ المنافذ عل الماطادور وخنقه بالضغط والزيادة العددية، حيث كان بوطيب أول المدافعين، كلما عادت الكرة للإسبان، ناهيك عن المرتدات التي كانت منظمة، بدليل أن المنتخب المغربي تقدم في مناسبتين. ويحسب للمنتخب المغربي أنه أنهى المباراة بمخزون بدني جيد ورائع، وبتركيز عال، رغم أن المباراة كانت شكلية بالنسبة له على الورق، إلا أن أشبال رونار أبوا إلا أن يؤكدوا للعالم أن المنتخب المغربي، لا يستحق الإقصاء، بوقوفه الند للند أمام بطل العالم لنسخة 2010، تقنيا وتكتيكيا وبدنيا ونفسيا.