عندما نتغنى بديربي الدارالبيضاء بين الوداد والرجاء، ننثر على هوامشه كلاما كاللؤلؤ، نقرض فيه شعرا ونتباهي به صورة للخلق والإبداع ومجسما فلإبتكار المغربي، بل ونتهم فيه كإعلاميين بالإنحياز الذي لا تقبل به الأعراف المهنية عندما نتعبأ بكل مشاربنا الصحفية لنحصي كل صغيرة وكبيرة عنه، فإننا لا نفعل ذلك إلا يقينا منا على أن الديربي يمثل حالة خاصة، بل ظاهرة كونية يسافر بها الإبداع المغربي إلى كل بقاع العالم ليقدم نفسه ولينافس في مقاس الخلق والإبتكار عشرات الديربيات العالمية. لذلك ما تملكنا الخوف على شيء أكثر ما تملكنا على الديربي البيضاوي، أن تصطاده قوى التخريب وأن تجره بفعل الهالة التي أخذها قوى الشر إلى ما يفسد الذوق وإلى ما يشوه الصورة الجميلة وإلى ما ينزع عنه رداء المتعة وافحتفالية. لست بصدد كتابة مرثية عن الديربي، فمن يقرأ هذه التوطئة قد يظنني عالما بسوء سيصيب الديربي، ولكنني بصدد إيقاظ عقول وضعت للأسف جدارا سميكا بين شيئين متلازمين يفترض أن يكون الواحد منهما سندا وعضدا للآخر، بين أن نفعل قوة النقد والتصحيح خدمة لمصلحة الفريق الذي نحب ولا نساوم في حبه بشكل حضاري لا يضرب مصالح الفريق وبين أن نلعب الدور كاملا في صياغة وإخراج سمفونية الديربي، فكما المباريات الجميلة لا تكون إلا بوجود فريقين مبدعين فإن الديربي ما كان ليأمن على إحتفاليته وعلى عالميته إلا بوجود جماهير الوداد والرجاء في مدرجات فريميجة والمكانة لإحياء الذكرى الجميلة ولهندسة فصل جديد في حكاية الإبداع الكاليغرافي. سمعت أن إحدى فصائل الوداد وقد أعياها أن يذهب صراخها ومطالبتها بتصحيح ما إختل في المنظومة هباء قد قررت مقاطعة الديربي تاركة فريقها وحيدا في معركة كروية شريفة وسمعت بل رأيت ما سبق ذلك من إحتجاجات قوية المثير فيها أنها لم تقتصر على الدارالبيضاء وتحديدا على المعاقل التي يحتمي فيها مناصرو الوداد بل إنها تناثرت على مدن مغربية كثيرة بفعل أن للوداد مناصرين في كل أرجاء الوطن، وللأمانة فأنا لا أوافق من دعا إلى المقاطعة أو حتى من شجع عليها فكأنني أمام نقض لعهد قديم قطعته جماهير الوداد والرجاء على نفسها بأن تدافع عن حمى الديربي فهو الخندق الجميل الذي تتوحد فيه الجبهات وهو البوتقة الوطنية التي ينصهر فيها جمهور الفريقين ليتوحد في صناعة الفرجة وتصديرها إلى العالم، لا أوافق من باب أن للديربي على كل جماهير الوداد والرجاء حقوقا لا يعذر أحد بعدم الإلتزام بها أيا كانت الظروف والملابسات ومهما بلغ سيل الغضب الزبى. لقد ناضلت جماهير الوداد والرجاء على طول سنين بشكل مبتكر لا يقوم على التقليد الأعمى من أجل حماية الديربي، وقد فعلت هذه الحماية بأن عملت على تنظيف الديربي من كل الأنفس الشريرة الأمارة بالسوء والمتعدية على حرمة وأمن الناس وبأن إبتكرت في تنافس شريف ورائع فيما بينها قوالب للإحتفال، صدرت نمطا إبداعيا مغربيا خالصا وشجعت على الإلتحام الكامل بالفريق بكل الصور التعبيرية وأنشدت أغاني تقول بأن العرى المؤسسة مع الفريق/ الرمز لا تنفصم أيا كانت الظروف، لذلك أرى في تفعيل قرار المقاطعة من جانب إحدى فصائل الوداد نقضا لعهد تتحدث عنه الأغاني الجميلة التي تنشدها جماهير الحمراء. أنا مع أن يكون لجماهير الوداد صوتا تسمعه ورأيا يعمل به، فلا حق لأحد أن يستأثر بتدبير فريق بمرجعية الوداد دون العودة إلى قواعده، وأنا مع كل الصور المتحضرة للإحتجاج ولكنني أقف بالكامل ودونما تحفظ مع ما يراد به التنبيه إلى حالات الإختلال دونما مراعاة لمصلحة الوداد التي هي بالفعل فوق كل الأشياء وفوق كل الأشخاص، إنني أقف ضد كل من يبرمج هذه الإحتجاجات عن بعد أخذا بثأر شخصي من أي كان أو قضاء لمآرب ذاتية ضيقة في نرجسية مقيتة. على رأي المفكر الفرنسي الشهير فولتير، قد أختلف مع جماهير الوداد في الرأي، ولكني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمناً لحقهم في الدفاع عن رأيهم، حتى لو كان «مقاطعة» لا أتمناها لديربي الأحد، لأنه ليس ملكا لي ولهم، إنه ديربي الوطن.