تبددت آمال السوريين الثلاثاء ببلوغ منتخبهم الوطني لكرة القدم كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه، بعد خسارته أمام استراليا في إياب الملحق الآسيوي، ما حول الحماسة والترقب الى دموع وحزن. وبدا الوجوم على وجوه آلاف السوريين الذين تجمعوا في الساحات العامة ومقاهي دمشق، وكلهم أمل بمواصلة "نسور قاسيون" مسيرتهم اللافتة في تصفيات مونديال روسيا 2018، على رغم الظروف التي يعانيها المنتخب واللاعبون جراء النزاع الدامي في البلاد. ونجحت كرة القدم في الأسابيع الأخيرة في جعل السوريين أقرب من حلم طال انتظاره. وبينما تحلق المشجعون في العديد من المناطق، خصوصا تلك التي تسيطر عليها القوات الحكومية، خلف "نسور قاسيون"، أحجم آخرون يقيمون في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة عن تشجيع المنتخب بحجة "ارتباطه بالنظام السوري". في دمشق، انقلب المزاج الشعبي تماما بعد فوز المنتخب الأسترالي 2-1 بعد التمديد، علما ان المنتخب السوري أنهى المباراة بعشرة لاعبين بعد طرد لاعبه محمود المواس مطلع الوقت الإضافي. وقبل المباراة وخلالها، خلت شوارع العاصمة السورية من المارة، بينما أقفلت معظم المحال أبوابها للانصراف الى متابعة اللقاء الحاسم. وتقول دانا أبو شعر (18 عاما) التي تابعت المباراة مع أصدقائها في مقهى بدمشق، لوكالة فرانس برس "كنت متحمسة جدا وتوقعت فوز المنتخب السوري، لكن الآن هناك حزن وخيبة أمل كبيرة لأننا وصلنا الى مرحلة كنا فيها على بعد أميال صغيرة من البطولة". وتوضح الشابة التي تغيبت عن دروسها الجامعية لمتابعة المباراة "الأمر لا يتعلق بكرة القدم، فالشعب السوري كان يحتاج الى فرحة مماثلة"، مضيفة بصوت متهدج "نسور قاسيون كانوا أملا بالنسبة لنا. عاش الشعب سبع سنوات من الحرب وكان ينتظر الفرح". وتجمع السوريون منذ الصباح في الساحات العامة والمقاهي بدمشق، وفي ملاعب وقاعات رياضية في مدن عدة. وارتدى كثيرون القميص الأحمر للمنتخب ورفعوا الأعلام السورية ورسموها على وجوههم. وافترش الآلاف الأرض تحت أشعة الشمس في ساحة الأمويين بغرب دمشق لمتابعة المباراة عبر شاشة عملاقة، مرددين الهتافات التشجيعية، ليتراجع حماسهم تدريجا بعد تسجيل استراليا الهدف الثاني. وبحسب مراسل فرانس برس في دمشق، عاش المشجعون اللحظات الأخيرة من المباراة على أعصابهم، وبادر بعضهم بعد صافرة النهاية الى تبادل العناق والمواساة، بينما أخفى آخرون وجوههم خلف أيديهم. ولم يتمكن آخرون من إخفاء دموعهم حزنا لا سيما الفتيات منهم. واتخذت القوى الأمنية في دمشق إجراءات مشددة في الشوارع، كما أغلقت مدارس أبوابها أبوابها خشية من الرصاص الطائش الذي عادة ما يطلقه المتحمسون في مناسبات مماثلة، بحسب مدرس في العاصمة. وقال رامز تلاوي (29 عاما ) لفرانس برس بعد المباراة "للأسف لم يحالفنا الحظ.. كانت لدينا فرص كثيرة". أضاف تلاوي الذي ارتدى قميص المنتخب، وقال انه أخذ إجازة من عمله لمتابعة المباراة في أحد مقاهي دمشق، "قام المنتخب بما لم تقدر عليه السياسة ورجال الدين، استطاع أن يوحد الشعب السوري". وتابع "انه منتخب الوطن، وحد السوريين بكل آرائهم السياسية موالين ومعارضين.. حتى اللاعبين الذين كانوا خارج (البلاد) عادوا والتحموا سويا " في اشارة الى اللاعبين فراس الخطيب وعمر السومة اللذين عادا الى صفوف المنتخب في الأشهر الماضية بعد غياب أعوام. وبعد انتهاء المباراة، نشرت حسابات الرئاسة السورية على مواقع التواصل صورة للمنتخب مرفقة بتعليق "كنتم الأبطال ورسمتم الفرحة على وجوه كل السوريين.. #نسور_قاسيون.. لكم كل التحي ة والتقدير". ومنذ بلوغ المنتخب الملحق الآسيوي، بدا أن كرة القدم تمكنت، وإن موقتا ، من توحيد السوريين المنقسمين بين مؤيدين لنظام الرئيس بشار الأسد ومعارضين له، منذ بدء النزاع المستمر منذ 2011، والذي راح ضحيته أكثر من 330 ألف شخص. إلا أن الأمر تغير بعد المباراة ضد ايران، لا سيما مع اعتبار معارضين أن المنتخب يمثل النظام، وقيام بعض اللاعبين بشكر الأسد في أعقاب التعادل مع ايران في المباراة الأخيرة من التصفيات، والتي ضمنت نتيجتها لسوريا المشاركة في الملحق الآسيوي.
وأثارت الخطوة امتعاض مشجعين في مناطق مثل الغوطة الشرقية، معقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، وفي محافظة ادلب (شمال غرب) التي تسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا ) حاليا على الجزء الأكبر منها. وقال يوسف شديد (21 عاما ) المقيم في مدينة دوما في الغوطة الشرقية "فرحت وحزنت في الوقت ذاته لأننا كنا نتابع المباراة ونشعر بحماس كبير بأن يفوز منتخبنا ويتأهل ويصل اسم سوريا الى العالم". وتابع" في الوقت ذاته شعرنا بالحزن لأن النظام أعطى للموضوع منحى سياسيا وكان يروج أن هذا المنتخب منتخبه". في قرية مرعيان في ريف إدلب، قال قاسم خطيب (26 عاما ) الذي تابع مع أصدقائه المباراة عبر هاتفه الجوال "بالطبع كنت أشجع أستراليا لأني لا أشجع منتخب البراميل وفق ما نسميه، لأنه إذا ربح كان سيهدي فوزه كما المرة الماضية الى الأسد". أضاف "هذا المنتخب هو منتخب للنظام، لقاتل الأطفال، ولا يمثل سوريا". ومنذ اندلاع النزاع، غالبا ما تعرضت محافظة ادلب لغارات سورية وأخرى من حليفتها روسيا، أودت بحياة عدد كبير من المدنيين. في مدينة إدلب، قال خير الداوود (24 عاما ) المهجر من حلب (شمال) "تابعت مباريات المنتخب السوري لكني تمنيت لهم الخسارة وشجعت كل الفرق التي لعبت ضدهم".