وجب إلتقاط ثلاث إشارات أرسلتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لتفعيل ثورة على أنماط تقليدية مهترئة ولا قبل للمشهد الإحترافي بها، وجهت إليها الأيام الوطنية لكرة القدم المنعقدة بالصخيرات في شهر ماي الماضي. أول الإشارات هي تعميم الجامعة للنظام النموذجي للشركات الرياضية لكرة القدم والإتفاقية النموذجية التي تربط بين الجمعية الرياضية والشركات الرياضية، أما ثاني الإشارات الثلاث فهي استصدار قرار يقضي بوقف الترحال المتكرر للمدربين بين الأندية في مشهد مقزز، أما ثالث الإشارات فهو ما تمهد الجامعة لإشهاره كقرار مزلزل يقضي بحظر كل الإنتدابات بداية من الميركاطو الشتوي الذي سيفتح أبوابه قريبا في وجه الأندية ذات المديونيات الثقيلة والتي يكشف حسابها المالي الحالي عن وجود عجز كبير. هذه القرارات الثلاثة مجتمعة وجدنا أنفسنا من خلال تقصيات واستطلاعات نحصي عشرات الأسباب التي تعجل بصدورها، فمن دونها لا يمكن قطعا أن نتصور أننا نعيش في بيئة إحترافية ومن دونها لن نتمكن من حماية مشروعنا الإحترافي من الموت الذي يتهدده لوجود العديد من الأوبئة المميتة، وهي قرارات أجمع عليها المتناظرون في إطار الأيام الوطنية الخاصة بكرة القدم والتي دعت لها الجامعة لمباشرة افتحاص موضوعي وهادئ لواقع كرة القدم المغربية برمته، الإحترافي والهاوي منه على حد سواء بعيدا عن التشنجات. كان لزاما أن نقف على درجة إلتزام رئيس الجامعة بما قطعه على نفسه وهو يختتم تلك التناظرات، من أن الأندية لا بد وأن توضع في صلب المنظومة الإحترافية، ومن أنه لا بد من إنهاء وضع شاذ، أن تكون الأندية الممارسة في إطار بطولة إحترافية يعرفها قانون الجمعيات الرياضية على أنها أندية هاوية. وللوصول فعليا إلى مشهد إحترافي تدبر من خلاله الأندية المستوفية للشروط بحسب المشرع من خلال شركات رياضية، كان لزاما المرور من عدة أوراش على مستوى التقنين والهيكلة، وباكتمال صورة النظام النموذجي للشركات الرياضية والصياغة النهائية للإتفاقية النموذجية، يمكن أن نتوقع حدوث إنقلاب نوعي داخل الأندية، شبيه بذاك الذي تعرض له نظام اللاعب عندما أصبح إرتباطه بالنادي بموجب عقد مشرعن وليس بموجب رخصة دائمة، فكما أن نظام اللاعب خلصه مما إصطلحنا عليه بالعبودية، فإن العمل بالشركات الرياضية سيريحنا بلا شك من معضلة المنخرط ومن إطباق مسيرين بعينهم على أعناق الأندية إلى درجة تحويل هذه الأندية إلى ضيعات مملوكة برغم أنها تدار بالمال العام عطفا على ما تمثله منح الجماعات الترابية من نسبة في عائدات هذه الأندية. ومع كل النضالات التي خاضتها ودادية المدربين من أجل إقرار قانون للمدرب يضمن له التواجد في المكان الذي يستحقه داخل المشهد الكروي الوطني، بأكبر قدر من الحماية، كان لزاما وهؤلاء المدربون يخضعون لتصنيفات دقيقة تحدد مؤهلاتهم ومواقعهم في خارطة التباري، أن تتم معالجة الكثير من الشوائب التي تعيق عمل المدربين وتضرب الإستقرار التقني داخل الأندية، فجاء القرار الصادر عن الجامعة بإجماع أهل الإختصاص بمنع كل مدرب له رخصة مع ناد أن يحصل في الموسم ذاته على رخصة ثانية للعمل مع ناد آخر من نفس المستوى أو من المستوى الذي يرتفع عنه. وإذا كان هناك من رأى في القرار ردعا للمدربين الذين يكثرون التنقل بين الأندية، ومنهم من يشرف على ثلاثة أندية في الموسم الواحد، فإن الحكمة من هذا القرار هي إرساء نوع من الحكامة في تدبير التعاقد والإنفصال عن المدربين وتأمين أكبر قدر من الإستقرار التقني داخل الأندية، فكما أن الأندية ستفكر عشر مرات في التعاقد مع المدربين وفي الإنفصال عنهم بكل الذرائع المتداولة في مشهدنا الكروي البئيس، فإن المدربين سيفكرون مائة مرة قبل التوقيع على عقود الإنفصال عن النوادي بالإتفاق على صيغة التراضي التي رجمتنا ولم نرجمها. ولأن الرهان الأكبر هو تلقيح الأندية من كثير من الأعراض المتوارثة لديها، للدخول بها فعليا لعالم الإحتراف معافاة وسليمة، فهناك بالفعل حاجة لوضع العوارض القانونية أمام هذه الأندية للحيلولة دون تماديها في التقليل من شأن التوازنات المالية، وأبرز هذه الموانع هو حظر كل الإنتدابات في الميركاطو الشتوي على الأندية التي تشكو من عجز كبير في ماليتها ولها الكثير من الملفات العالقة لدى غرفة النزاعات، قرار وقائي واحترازي وتهذيبي أيضا.