بينما كانت ألعاب القوى تمثل للمغاربة الملاذ الوحيد لاقتناص الميداليات الأولمبية والوصول إلى بوديوم الألعاب الكونية، جاءت هذه المرة الملاكمة لتمحو عارا كبيرا كان سيلحق بلا شك الرياضة الوطنية وهي تعود بخفي حنين من دورة ريو دي جانيرو، فبعد 16 سنة على آخر ميدالية برونزية نالتها الملاكمة الوطنية في الألعاب الأولمبية وسجلت بإسم الملاكم الطاهر التمسماني، تتمكن رياضة الفن النبيل بفضل مقاربات يمكن القول على أنها ذوبت كثيرا من الفوارق عن المستويات العالية، من إنجاز أولمبياد شبه نموذجي. فبرغم ما صادف الملاكمين المغاربة من متاعب جمة وهم على مشارف أولمبياد ريو دي جانيرو باستبعاد ملاكمين (حمزة البربري وسعيد حرنوف) ومصادرة الملاكم حسن سعادة بتهمة التحرش الجنسي، فإن الملاكمة الوطنية ستتمكن من سل شعرتها من العجين الأولمبي لتقدم للرياضة الوطنية بارقة أمل جديد يغطي نسبيا على حلكة مظلمة تسببت فيها ألعاب القوى الوطنية. صحيح أن محمد ربيعي الذي أهدى المغرب الميدالية الوحيدة لأولمبياد ريو دي جانيرو، كان بمقدوره أن يذهب إلى أبعد من البرونز وهو الذي دخل المنافسات بثوب المرشح الأول لنيل الذهبية بحكم تتويجه بطلا للعالم في دورة الدوحة الأخيرة، إلا أن المؤدى العام لكل الملاكمين المغاربة الذين دخلوا حلبة التباري يؤكد بأن الملاكمة الوطنية باتت رقما صعبا في معادلة الملاكمة الدولية. فمع ما سجلناه من تناقضات في قرارات الحكام واختلالات كبيرة في منح النقاط، كانت الملاكمة المغربية قد فرطت في فرصة ذهبية لكتابة التاريخ ولتحقيق أفضل حصيلة ممكنة في تاريخ مشاركاتها بالألعاب الأولمبية، فلا أحد يختلف على أن محمد ربيعي لم يكن يستحق الخسارة بإجماع الحكام أمام الملاكم الأوزبكستاني جياسوف شاخرام، ولا أحد استصاغ الطريقة التي أخرج بها الملاكم محمد حموت من الدور ثمن النهائي أمام الكوبي راميريز، ولا أحد صدق أن يكون الكوبي فيتيا يوسباني قد سجل كل ذلك الفارق الذي ظهر واضحا في تنقيط الحكام عندما واجه أشرف خروبي في ثمن النهائي وزن 52 كلغ، كما أننا جميعا شاطرنا الملاكمة خديجة المرضي حزنها الكبير واندهاشها العميق من قرار الحكام بخسارتها أمام الكازاخستانية داريكا شاكيموفا في ربع نهائي منافسات وزن أقل من 75 كلغ، ما حال للمرة الثانية على التوالي بينها وبين الميدالية الأولمبية. عموما لا يمكن إلا أن نهنئ الملاكمة المغربية على أنها بدلت أقصى ما تستطيع من أجل مقارعة كبار الإختصاص، فالملاكمة العالمية الأولمبية على وجه الخصوص كان لها في السابق سيدان كبيران هما كوبا والولايات المتحدةالأمريكية، أما اليوم فقد أطلت مدارس من شرق أوروبا وآسيا لتنافس بقوة على الزعامات العالمية، بدليل أن بطولة العالم الأخيرة بالدوحة والألعاب الأولمبية المنتهية بريو دي جانيرو قدمت لنا ثلاثة مدارس جديدة، المدرسة الكازاخستانية والمدرسة الأوزبكستانية، من دون أن ننسى طبعا المدرسة الفرنسية. ومن شأن برونزية محمد ربيعي والأداء المشرف لعدد من الملاكمين في طليعتهم محمد حموت، أن يدفع الجامعة الملكية المغربية للملاكمة إلى مواصلة العمل على المستويين القاعدي والقممي للتواجد باستمرار ضمن النخب العالمية على مستوى الملاكمة، والإختبار القادم الذي سيكون ممهدا لأولمبياد طوكيو 2020 هو بطولة العالم للملاكمة في دورتها القادمة.