غير الحزن الذي يشتد على النفس والخاطر لكآبة المنظر وكارثية المآل، وقد زادنا إقصاء رجاء الشعب والزعيم من منافسات كأس شمال إفريقيا للأندية الأبطال وللأندية الفائزة بالكأس حسرة وإحباطا، هناك في حمأة الإحتراق بنار الغضب حاجة لأن نقرأ الخروج الصاغر للرجاء وللجيش من منافسة جهوية بصورة مختلفة تتيح إمكانية الخروج بأحكام قيمة، وأكثر منه تعطينا القدرة على أن نستخلص الدروس الحقيقية من كل الذي حدث ويحدث· لو وضعنا هذا الإخفاق في سياق ما نحن عليه من إخفاقات متواثرة لبدا الأمر طبيعيا، بل ومنطقيا، فلا يمكن لوضع كروي مقهور، بلغ القعر وسقط إلى الحضيض أن يعطي أفضل مما يعطيه اليوم، ولكن لو كانت بنا رغبة لأن نستخلص الدروس ونحن نهم بتصحيح الوضع ورفع الإختلال ومصادرة الرداءة، فإننا سنعالج هزيمة رجاء الشعب بالجزائر أمام وفاق سطيف والجيش الزعيم بليبيا أمام أهلي بنغازي بمستوى آخر، يترفع عن مجرد النذب واللطم ومزيد من القهر للنفس· كانت منافسات كأس شمال إفريقيا مرآة عاكسة لما أصبحت عليه أنديتنا، فالرجاء وقد قلت ذلك قبلا، لم تستطع تقنيا بما لها من إمكانات أن تؤمن شروط النجاح، والجيش وقد تأكد لنا ذلك مع بداية هذا الموسم فرطت في ثوابث النجاح، عندما أمنت لاختيارات تقنية ظهر فراغها· ولأن صفوة كرة القدم هي في أندية بمرجعية الرجاء، الجيش، الوداد، الدفاع الجديدي وغيرها، فإن منطق العمل بمنظور إحترافي كان يتطلب تدبيرا تقنيا مختلفا عن الذي نراه ونلمسه اليوم داخل هذه الأندية الكبيرة· وسأسأل ببساطة شديدة، هل كان منطقيا أن يفوت الرجاء على نفسه فرصة إغناء رصيده البشري بما تهيأ من لاعبين وطنيين ومن لاعبين أجانب يسمع صدى إبداعهم في أندية أخرى، وهو الذي يعرف ما هو مقبل عليه من إستحقاقات وطنية وقارية؟ كما سأسأل ببساطة أشد، هل كان مقبولا، أن يترك فريق الجيش لاعبين من طينة قديوي والعلاوي يرحلون عنه ليدخلوا إحترافا محتشما وجميعنا يعرف أن للجيش إمكانيات مالية تغني هؤلاء عن الإغتراب؟ يصدمني فعلا أن لا تكون للأندية المرجعية ذات الإمكانات المالية الكبرى القدرة على الإحتفاظ بلاعبيها ضمانا للإستمرارية أولا وإعفاء للرأسمال البشري من كل الإختلالات التي يصاب بها ثانيا، فالرجاء إطمأن إلى رصيده البشري وقد قالت الأيام بأنه كان خاطئا في ذلك، والجيش فرط في ثوابت بشرية لها حضورها القوي في التشكيل فتعرض لاهتزازات خطيرة، والوداد هو الآخر أكره نفسه على إعادة بناء فريقه وقد ترك أكثر من خمسة ثوابت ترحل عنه· ويصدمني أكثر، أن تفكر هذه الأندية في تأمين نفسها محليا، بأن يكون أكبر همها المنافسة على لقب البطولة أو لقب كأس العرش، مع أن هناك رسالة أكبر من ذلك بكثير، فهذه الأندية التي تحمل صفة السفير، بحكم ما حصلت عليه من ألقاب، ملزمة بأن تؤدي أمانة التمثيل على أكمل وجه· وحتما إذا ما نحن أجزنا الخروج من كأس شمال إفريقيا من دون لقب لوجود حالة بؤس معممة ولشرخ ملحوظ في الثقة بالنفس جراء ما تكالب من إقصاءات ونكبات، فإننا لن نجيز أن لا يكون رجاء الشعب والجيش الزعيم قد إستوعبا الدرس جيدا، فكلاهما سيقبل مع الدفاع الجديدي في بداية السنة القادمة على منافسات عصبة أبطال إفريقيا وكأس الإتحاد الإفريقي، ولن يكون مقبولا على الإطلاق أن يكون الخروج مجددا من المنافستين صاغرا وكارثيا، فقد طفح الكيل وانقضى الصبر وما عاد بالقلب متسع لمزيد من الكوارث· ولأن فترة الإنتدابات الشتوية على الأبوا، فإن أندية الرجاء، الدفاع الجديدي والجيش الملكي وكلها ستمثلنا في المنافستين الإفريقيتين، ملزمة بإغناء رأسمالها البشري وإنجاز إنتدابات وازنة مهما كلف ذلك من ثمن، لطالما أن ما ستنفقه هذه الأندية اليوم بيد ستحصل عليه بيد أخرى إذا ما أمنت لنفسها حضورا وازنا وذهبت بعيدا في الأدوار التصفوية، ولطالما أن أي نجاح من أي صنف سيقول، بأن كرة القدم الوطنية، رفعت رأسها مجددا، وبأن أنديتنا الوطنية قد إستوعبت أخيرا الدرس·