ما الذي يحدث في واقع الأمر داخل فريق الرجاء البيضاوي؟ هزيمة واحدة هل هي السبب في اندلاع شرارة الغضب التي بلغت أوجها بعد مباراة الفتح الرباطي والتي جاءت استمرارا لعدم الرضى على مؤدى الفريق البطل خاصة بسطيف الجزائرية؟ وليأتي قرار إيقاف سعيد عبد الفتاح لأجل غير مسمى ومعه بنلمعلم وتغريمهما إضافة إلى مراد عيني ليكشف عن خلل ما وعن وجود أزمة لاحت بوادرها مبكرا وتقتضي تدخلا عاجلا قبل دخول الخضر لمنافسة قارية يعول عليها كثيرا كي تصالحهم مع الذات قبل أي شيء آخر. رياح الأزمة هبت مبكرا كفريق بطل وكفريق تصالح مع الألقاب بعد سنوات عجاف مرت طويلة على عشاقه ومناصريه، الأكيد أنه ما كان ينتظر من الرجاء يفوق بكثير ما هو مجسد حاليا على أرض الواقع من نتائج، رغم أن مساره بالبطولة ليس بالصورة الكارثية التي تدعو إلى تهويل الأمر وإلى إبداء الحسرة والأسف، غير أن فريقا بقيمة الرجاء وبشعبيته أكيد أنه بذات القدر الذي يوضع تحت المجهر، فإنه أيضا يوضع تحت الضغط وبذات القدر الذي يأتي الحب والمناصرة، يكون مؤشر الغضب والسخط مرتفعان وعاليان وهذا ما يجسد عدم الرضى على مسيرة هذا الفريق لحد الآن في بطولة هذا الموسم. رياح الأزمة التي هبت على القلعة الخضراء وأفضت إلى خليط من المشاكل (بين الجمهور والمكتب المسير، بين المكتب المسير ذاته، بين المنخرطين والإدارة وأكثرها شدة هي المشاكل الموجودة بين الجمهور واللاعبين)، ما يذكر بمسلسل الموسم الماضي والمصالحة التي حدثت بالورود بين الجانبين ولولاها لما تسنى للنسور العناق مع لقب البطولة في الخاتمة السعيدة المذكورة. إلى حدود تلث البطولة يكون ما قدمته الرجاء كمنتوج غير مقنع بالمرة ولا يوازي طموحات صوت الشعب ولا هو في مستوى تطلعات من يعطفون على هذا الفريق الكبير، بالرغم أن المسار ما يزال طويلا، إلا أن بداية الإعصار ظهر منذ فترة ليست بالقصيرة، وبالضبط لمرحلة الإنتدابات الصيفية والتي كشفت تعاطيا شحيحا وخجولا وسيولة ضعيفة في الصرف، زاد من فتيلها السماح للغريم التقليدي الوداد برص صفوفه بعيارات ثقيلة جدا، بل سحب من تحت أقدام الرجاء لاعبين كان الخضر الأقرب إليهما وهما (أجدو وأرمومن)، ولتأتي الهزيمة ضد الفتح وتكون بمثابة القشة التي قسمت ظهر النسر وأفضت إلى المحظور والذي لم يكن سوى إصدار قرارات تأديبية كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن بيت الرجاء به تصدعات قوية وبه من المشاكل ما لا يمكن إخفاؤه بالغربال. أين الفرجة مع روماو؟ العارفون بخبايا ما يجري ويدور داخل الرجاء دقوا ناقوس الخطر فور الإنفصال عن المدرب البرازيلي (كارلوس موزير) والذي تحصل على 9 نقاط (إنتصاران و3 تعادلات) مباشرة بعد لقاء جمعية سلا بالرغم من كون سجله خلا من الهزائم، وبالرغم من كون من تعاقد معه (عبد الله غلام) قال بأنه الخيار المنطقي والسليم والرجل المناسب للمرحلة، وأن عقدة الأهداف معه تنصب على الظفر بكأس عصبة الأبطال الإفريقية، قبل أن يرحل البرازيلي عن سماء الوازيس وهو يحمل صك إتهام عنوانه "رحل لقتل الفرجة" ولم يكن البديل سوى البرتغالي العارف بأسرار البيت جوزي روماو، والذي ترك الفريق بحثا عن عرض مادي أفضل عملا بمقولة (عصفور الرجاء في اليد والعروض الأخرى فوق الشجرة)، إذ أنه كان يقوم بعمليات إحماء من هناك، ومن البرتغال في انتظار الوقت المناسب للتأثير على عودته، علما أن خيط التواصل ظل قائما بينه وبين إداريي الخضراء. جيء بالرتغالي الساحر الذي لم يضع في الحسبان أن تقاليد اللعبة وأعرفها تحبل بالكثير من الصور والعبر الذي تقول بأنه بين التجارب الأولى والتي تليها أكثر من فارق، وليست كل مرة تسلم الجرة، إذ أنه كان متوقعا أن يصطدم بجداريات وبصعوبات جمة وبمشاكل لا حصر لها بعد عودته الثانية، قد تنسف كل التصورات الجميلة التي نسجت له وهو يقود سواء الوداد أو الرجاء للقبين استثنائيين. لم ينتبه روماو إلى أن إشارة النحس ظهرت مبكرا مباشرة بعد تعادل فريقه ضد المغرب التطواني داخل ملعبه ب (00) وتعادل لاحقا ضد وفاق سطيف الجزائري (11)، ولم يكن الفوز بمراكش سوى ليخمد النيران المشتعلة في جلباب البطل، ذلك أن الإقصاء بسطيف وبالشكل الفاضح إياه وقبله التعادل ضد الجديدة (11) وبالميدان، مؤشرات كشفت أن حكاية الفرجة باطل أريد به باطل، لأن ما قدمته الرجاء لا هو بالفرجة ولا ينتسب لها لا من قريب ولا من بعيد، وهنا سيخرج روماو عن صمته ويقول بأن الخضراء بحاجة لدماء جديدة وهو ما ليس من اختصاصه ولا يملك له سبيلا. غضب الخريف بقلب سطيف كان أول اختبار لقدرات المدرب البرتغالي على فك رموز أندية ومنافسين للرجاء خارج المغرب هو ذلك الذي قاده للتباري في مسابقة تحمل صبغة جهوية كأس شمال إفريقيا ضد وفاق سطيف الجزائري، وهنا ستنكشف العديد من العيوب التي أبرزت طراوة الجسد الرجاوي وعدم قدرة الأسماء الحالية على صنع ذات الربيع الذي صنعه جيل (198919971998)، إستسلام بطريقة غريبة خاصة بلقاء سطيف، إحتشام وعدم قدرة على المقاومة ورفع للراية البيضاء أمام منافس ليس هو الأفضل لا عربيا ولا قاريا، وبالتالي سخط عارم للجمهور الرجاوي ورفع لحدة الغضب ولردة الفعل المستهجنة لهذا الأسبوع الذي ما تعوده عشاق الخضراء·· روماو كان صريحا وواضحا وهو يدلي بالتصريح التالي: هم لديهم أفضل حارس مرمى بالبلد، وكذلك أفضل مدافع وأفضل لاعب وسط وأفضل مهاجم ، وبالتالي هزيمتنا لا أعدها منطقية، بل عادلة لأننا لا نملك نفس مفاتيح أدائهم·· تصريح أكد حاجة المدرب البرتغالي لقطع غيار من المستوى العالي للوفاء بالوعود القارية، غير أن جمهور الرجاء كان له رأي آخر وهو أنه دخل على الخط على عكس العادة والتوقعات، واعتبر ما حدث فيه مساس بالكرامة ودعا للمقاطعة ونبذ المنتوج الأخضر لغاية اتضاح واستقامة الصورة، وليكون الخريف الغاضب قد لاح بسطيف الجزائرية. سقطة الفتح تعري المستور ولأن المصائب لا تأتي منفردة، فقد جاءت السقطة الأولى بالبطولة الوطنية ضد الفتح الرباطي وفي ظرف يعرف مرحلة شك كبيرة مرتبطة بعدم الرضى على ما يقدمه الفريق لتزيد من استفحال الوضع، أولا بتجميد رصيد الرجاء عند حدود النقطة 13 ومرتبة لا تليق بمن يحمل صفة البطل، وثانيا خسارة أمام فريق صاعد حديثا لقسم الصفوة، وتسبق بثلاث جولات الموعد الكبير للديربي ضد الوداد البيضاوي (الدورة 12)، وثالثا عجز المنتدبين والعائدين عن ترك بصمة تعطي الإنطباع بقدرتهم على رسم الفارق (عبوب، الصالحي، عيني، نغوم)، دون ذكر طنيبر ولا حتى الزكرومي· وهنا سيحدث الزلزال الذي سبق مباراة شباب المسيرة وانضاف إلى دعوة فصيل من الجمهور للمقاطعة، وأيضا تبني طرح التغيير والدعوة الملحة لانتداب عناصر وازنة تليق بقيمة وقميص الفريق والرهان القاري الكبير الذي سيدخله. جملة مشاكل أكدت أن قلعة الكؤوس دخلت الأزمة مبكرا، ووقت التدارك ما زال متاحا، بدليل تكوين خلية تتدارس هذا الوضع سواء تلك المشكل من إداريين أو حتى المنخرطين، والغاية هي عودة الفريق لسكة التألق الإعتيادية وتجاوز الظرف بكل إرهاصاته ومشاكله وحتى موجة الغضب التي تسيطر على أرجائه. فهل ما تحقق من نتائج يقتضي هذا الهرج كاملا؟ وما حقيقة ما يجري بالكواليس؟ إنضباط في خبر كان الجمهور الرجاوي الحقيقي الذي يتنفس عشق الرجاء والجمهور الذي أطلق على فريقه صوت الشعب حين كان يوالي ويواصل احتجاجه على ما يرى ودعا للمقاطعة فلأنه كان يعرف ما الذي يحدث داخل الأسوار وخارجها ولم يربط ذلك بالنتائج، بدليل مؤازرته ومساندته المطلقة والكبيرة للرجاء أوقات الشدة والأزمة وفي الموسم السيء الذكر، الذي اقتربت من خلاله للنزول للدرجة الموالية· وليأتي الدليل دامغا في صورة انفلاتات بالجملة حدثت بتوالي الأيام، مسلوب يتم إيقافه لثلاث دورات ويتم تغريمه. محسن متولي يكرر صوره المشينة وحركاته البديئة والسمجة إزاء جمهور هو من صنع نجوميته ولم يعتبر بصور الضبط وقرارات التأديب السابقة، وليغرم هو الآخر دون أن يطور أداءه بذات قيمة ما يصدر عنه من أفعال متهورة. وآخر صور الخروج عن النص قرارات تكشف بالملموس أن هناك انفلاتات ملحوظة تنبئ بقرب الإنفجار، إيقاف لأجل غير مسمى للاعب سعد عبد الفتاح، إيقاف لاسماعيل بنلمعلم وتغريم ل (5000 درهم)، وتنبيه وإنذار للاعب مراد عيني، وهي كلها عناصر لم تكن تلعب على عهد موزير ومن أعادها للواجهة هو جوزي روماو، وهنا تبرز قيمة ما كان ينجزه المدرب البرازيلي بخصوص ترسيخ ثقافة الإحترام والمسؤولية قبل أي شيء آخر. وليصبح المدرب جوزي روماو داخل هذه الدوامة على فرن النقد والإنتقاد، والرئيس عبد الله غلام موضع مساءلة بخصوص ما يحدث داخل ناديه والبوصيري داخل إرهاصات تبرئة نفسه مما هو منسوب إليه بخصوص محدودية الرصد للجواهر المطلوبة لتدعيم الصفوف والجمهور يتعذب في انتظار الإنفراج. باختصار الرجاء أكبر من مجرد أن تختزل أزمتها في هزيمة أو هزيمتين، رجاء الشعب هرم ليس ملك لا لعمر ولا لزيد، لأنه باسم الفرجة وباسم صناعتها أصبح ملكا لكل المغاربة، وبتمثيليته الخارجية زاد العبء والوصف، لذلك ما يحدث داخل قلعته ليس شأنا داخليا، بل شأنا عاما يقتضي قليلا من الرعونة وكثيرا من الشفافية.