فخامة الرئيس بودريقة كما أسقط الربيع العربي بعض الأنظمة الديكتاتورية وأتى مكانها بحاكمين من أولاد الشعب كمصطفى عبد الجليل في ليبيا ومحمد مرسي في مصر ومنصف المرزوقي في تونس، فإن الربيع الرجاوي أتى هو الآخر بمحمد بودريقة. لقد ساهمت ثورة الباسطا الرجاوية في وصول بودريقة إلى الرئاسة بالتصفيق والإجماع بلا منافس ولا اعتراض ولا... صداع الراس، عكس الإنتخابات السابقة التي وجد فيها بودريقة نفسه في مواجهة مرشح تقف خلفه ماكينة ضخمة محترفة في التسيير وفي الانتخابات، اضطر معها إلى نشر «الكتاب الأخضر»، وإلى اكتساح المواقع الإلكترونية، وإلى مناظرة منافسيه في التلفزيون. علاش ما ترشّح حتى شي واحد من مجلس الحكماء ينافس بودريقة، واش ما بقاش عندهم الحق؟ فكّرتيني في واحد خاينة خطير كنعرفو ديما كان كيترشح للبرلمان، وفي هاد الانتخابات اللخرة ما ترشّحش، قلت ليه: «علاش ما ترشحتيش؟ واش ما بقاش عندك الحق؟» واش كَال ليك؟ قال لي: «لا أوليدي باقي عندي الحق، ولكن ما بقاش عندي الوجه اللي نترشّح بيه». من المؤكد أن انتخابات الرئاسة الرجاوية كانت حرة وشفافة ونزيهة، لكن الطريقة التي وصل بها الرئيس الجديد إلى الرئاسة جعلها تبدو كما لو أنها كانت مخدومة من قبل خاصة بعد انسحاب المرشحين، تماما كما كان ينسحب منافسو عبد العزيز بوتفليقة في آخر لحظة، وكما كان ينسحب المرشحون ضد حسني مبارك قبل الإقتراع بيوم واحد. والأكثر إثارة للشك في انتخابات الرجاء هو موقف مجلس الحكماء، حيث لم يدفعوا بمرشحهم كالعادة، بل ساندوا بودريقة، ويسّروا له الطريق ليصبح المرشح الوحيد بدون منافس. طبعا، كان الحكماء مضطرين إلى التراجع عن الترشح بعد ثورة الباسطا التي رفعت أسماءهم واحدا واحدا، وكانوا مجبرين إستجابة لمطالب الشعب الرجاوي على أن يتركوا المنصب لرئيس جديد يطلع من هذا الشعب، لكن هل انسحابهم نهائي أم أنهم خلف الباب ينتظرون مرور العاصفة؟ أشنو؟ واش زعما غادي يرجعو الحُكما في بلاصة بودريقة العام الجاي؟ هاد الشي إيلا بودريقة بقاوْ عندو الفلوس حتى العام الجاي. إن منظر عبد السلام حنات وهو يهنئ محمد بودريقة يذكرنا بمنظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يهنئ خليفته ديمتري مدفيديف، كان بوتين مضطرا إلى ترك منصبه لأن الدستور يمنعه من الترشح لولاية ثالثة متتالية، إذ لا بد أن يأتي رئيس جديد وبعد انتهاء ولايته يحق لبوتين الترشح من جديد... وهذا ما حصل. لقد عاد الرئيس بوتين إلى الرئاسة من جديد وبالفور يا شيفور، فأدرك العالم أن وجود مدفيديف لم يكن إلا تحايلا على القانون، مثل ذلك المحلّل أي الرجل الذي يتزوج امرأة طلقها زوجها طلاقا بائنا كي يحلّلها ليحق لها العودة إلى حضن زوجها الأول. واش بودريقة عارف هاد الشي؟ كون كان عارف، كون راه الرئاسة ديالو باطلة شرعا. كل زوج طلّق زوجته للمرة الثالثة أو طلاقا بالثلاثة فإنها تصبح حراما عليه ولا يحق له نكاحها إلا بعدما تتزوج من رجل آخر غيره ويطلقها. فإذا كانت نية المحلل في زواجه بهذه المرأة هي تطليقها حتى تصبح حلالا لزوجها الأول، فإن هذا الزواج باطل. بل عليه أن يتقدم للزواج بها رغبة في نكاحها كما قال الفقهاء، يعني تكون عندو النية يدير معاها لولاد. من هنا وجب البحث عن رجل بسيط وطيب لا يدري أنه يقوم فقط بدور المحلل، يعني يجب إيجاد رجل «نية» يسهل إغراؤه بالزواج، ويسهل إقناعه بالطلاق. ولهذا السبب، نجد كل الزعماء الذين أوصلتهم الإنتخابات إلى الحكم بسطاء وطيبين، بدْءا بالمرزوقي الذي فتح قصر الجمهورية لأطفال المدارس رئيسا بتونس، مرورا ببنكيران رئيسا للحكومة بالمغرب، وانتهاءً ببودريقة رئيسا لفريق الرجاء البيضاوي، دون نسيان مصطفى بليبيا وعبد ربه باليمن ومرسي بمصر... هؤلاء جميعا من أولاد الشعب الذين لا يعرفون أنهم يمسكون السلطة إلى حين. «فهمتيني ولا لا؟» «راني فهمْتكم»! نافذة باقي عندي الحق، ولكن ما بْقاش عندي الوجه!