الله العاطي بإسطنبول التركية التي إستضافت النسخة الرابعة عشرة لبطولة العالم لألعاب القوى داخل القاعة أضاء العداء الرائع عبد العاطي إيكدير والغزالة الجديدة مريم العلوي السلسولي شمعة بددت بعضا من العتمة التي سودت المكان ودفعت كثيرنا تحت ضغط الإحباط إلى القول بأن أم الرياضات أصابها ما أصاب رياضات كثيرة، الترهل الذي يرادف العجز. البطلان معا إستعادا ما كان للمغرب على مدار حقب زمنية من سيطرة على المسابقات نصف الطويلة، وما كان أيضا لمدرسته من تأثير واضح على تاريخ ألعاب القوى العالمية، فالعداء عبد العاطي إيكدير تسيد مسافة 1500 متر وتوج بميدليتها الذهبية بعد أن تفوق أولا على نفسه بأن قدم سباقا يتطابق مع إمكاناته وبعد أن تفنن ثانيا في وضع حبكة تكتيكية ذكية جعلت السباق النهائي يخضع في خاتمته لسلطته الفنية، كما أن العداءة مريم العلوي السلسولي التي أنهت قبل أشهر قليلة فترة التوقيف الإجباري الذي عاقب تناولها لمنشط محظور نالت فضية سباق 1500 متر بعد معركة ضارية خاضتها بشجاعة كبيرة مع العداءة الأثيوبية بينزلي ديبابا التي تبلغ من العمر 21 سنة، وتطل على عالم الكبيرات بعد إنجازات رائعة في صنف الشابات.. والحقيقة أن ذهبية إيكدير في بطولة العالم داخل القاعة بقدر ما ترسل شهبا جديدا في سماء ألعاب القوى، مؤشرا على وجود حالة من التعافي، وبقدر ما ترمز إلى أن أم الرياضات تهيء الأولمبياد القادم بلندن بثقة كبيرة في مؤهلاتها البشرية لمواصلة حصد الميداليات، فإنها تقول بوجود حالة فارقة في مشوار إيكدير الذي حثثنا ميداليته الذهبية في بطولة العالم للشبان بإيطاليا سنة 2004 على الجزم بأنه هو من سيتحمل عبء الدفاع عن إنجازاتنا الرائعة موندياليا وأولمبيا بعد إعتزال الأسطورة هشام الكروج.. حالة فارقة قد تكون طالت أكثر من اللازم، باعتبار أن عبد العاطي إيكدير الذي كان يصل في كل مرة إلى الدور النهائي لسباق 1500 متر لم يتوصل فعليا إلى مطابقة قدراته البدنية إما لعدم إكتمال النضج وإما لغياب سند تكتيكي، إذ سيحل خامسا في نهائي 1500 متر بالألعاب الأولمبية ببيكين 2008 وسيأتي في المركز الحادي عشر في نهائي ذات المسابقة في بطولة العالم 2009 ببرلين وعاد لاحتلال المركز الخامس في بطولة العالم 2011 بدايغو، علما بأنه تحصل على أول ميدالية فضية له سنة 2010 عندما إستضافت الدوحة بطولة العالم داخل القاعة.. وإذا كان هناك ما يؤشر على أن نهائى سباق 1500 متر بإسطنبول سيكون مغربيا خالصا بحضور العداءين عبد العاطي إيكدير وأمين لعلو بتجاوزهما للدور نصف النهائي، فإن الذهب الذي تحصل عليه إيكدير دليلا على نضجه، قابله حضور محير للعداء أمين لعلو الذي إكتفى بالمركز التاسع في السباق النهائى.. المحير في الأمر أن العداء أمين لعلو يواجه حالة إستعصاء غريبة كلما تعلق الأمر بالسباقات النهائية برغم أنه في كل مرة يحقق أرقاما ملفتة في الأدوار الإقصائية تجعله في نظر النقاد والخبراء من أكبر المرشحين للصعود إلى منصة التتويج.. وبرغم أن أمين لعلو قد تخلص من سباق 800م الذي تخصص فيه لسنوات من دون أن يعطيه أية ميدالية عالمية أو أولمبية، وانتقل منذ سنة 2009 إلى سباق 1500 متر الذي تحصل على ذهبيته الفرنكفونية، إلا أن العداء الأسمر الذي يتمتع بقامة فارهة وبمقومات بدنية جيدة وبرصيد خبرة كبير، لم يتوصل إلى إيجاد المسلك الحقيقي الذي يقود إلى خانة التتويجات.. ووجدت في الطريقة التي تعاملت بها العداءة مريم العلوي السلسولي وقد إنتقلت وحيدة إلى السباق النهائي لمسافة 1500 متر ببطولة العالم داخل القاعة، بعد سقوط مفاجئ للعداءة سهام الهلالي في دور النصف، ما يقول بأن مريم تؤشر فعلا على عودة إستثنائية، وهي التي فرملت إنطلاقتها الرائعة كبطلة واعدة تتسلم من العداءة حسناء بنحسي مشعل المسافات نصف المتوسطة قضية تورطها في تناول منشط محظور.. الإستثنائي في هذه العودة أن مريم التي رفع عنها الإيقاف الدولي بشكل رسمي يوم 21 غشت الماضي أسمعت صوتها في ملتقى رييتي بإيطاليا شهر شتنبر الماضي عندما فازت بسباق 1500 متر، كما أن فوزها بفضية ذات المسافة ببطولة العالم داخل القاعة يحفزها على أن تضع الألعاب الأولمبية بلندن صيف هذه السنة كرهان إستراتيجي، فقد لا يكون بوسعها وهي تبلغ اليوم سن السابعة والعشرين أن تكون حاضرة خلال أولمبياد 2016 بريو دي جانيرو البرازيلية.. نعتبر ما حققته ألعاب القوى الوطنية بتركيا في بطولة العالم داخل القاعة نهاية لشتاء طويل وبداية لزمن جديد ببوارق أمل كبيرة على أن تتواصل ملاحم أم الألعاب في إهداء المغرب ميداليات أولمبية، أمر صحيح، ولكن ما من شيء يمنع ألعاب القوى من مواصلة هيكلة قاعدتها على أسس علمية واحترافية تتجاوز بالأندية التي هي مبتدأ ومنتهى أي عمل تقويمي الكثير، ما كان يحول دون أن تكون أندية منتجة ومعطاءة، وما كان يعرض الكثير من المواهب للتلف وللضياع.