أتركوا غيرتس يتعلم ! غريب هو حال كرة القدم، وكما يقال أن لها وجهان، يوم لك ويوم عليك.. بالأمس كان إيريك غيرتس يهنأ على عمله داخل عرين الأسود دون ضغط ولا محاسبة، لكنه اليوم أصبح المسؤول الأول عن الخيبة التي وقع عليها المنتخب المغربي في كأس أمم إفريقيا، كان من الطبيعي أن يتعرض المدرب البلجيكي لكل هذه الإنتقاذات اللاذعة بعد أن فشل في الإختبار الإفريقي ما دام أن عند الإمتحان يعز المرء أو يهان، لذلك على غيرتس أن يتحمل كل الإنتقادات النارية التي صُوبت باتجاه اختياراته البشرية والتكتيكية وكذا الطريقة التي استعد بها قبل دخول رحى الكأس الإفريقية. طبعا سقط غيرتس في العديد من الأخطاء التي سارعت بالخروج المذل من كأس أمم إفريقيا، أخطاء تؤكد أن غيرتس ملزم بإعادة ترتيب أوراقه التقنية والبشرية وخاصة وضعيته كمدرب وطني وما تتطلبه هذه المهمة من دراية بشؤون تدبير منتخب وطني لا يمت بأي صلة لتدريب النادي. والأكيد أن هذه السقطة قد أفاقت غيرتس من حلم وأوهام دغدغت مشاعره وهيأت له أن تدريب منتخب وطني أمر هين، سقطة أعادته إلى الأرض بعد أن عاش أحلاما وردية قبل بداية لاكان، أحلام حكى لنا عنها أن لنا منتخبا قويا قادرا على العودة باللقب الإفريقي، وأن لديه تركيبة بشرية غنية يحلم أي مدرب أن يملكها، بل قال أنه يحتار في اختيار تشكيله الأساسي لكثرة اللاعبين. والواقع أن الأخطاء التي ارتكبها إنما مردها وبكل بساطة إلى قلة تجربة هذا المدرب، نعرف أن غيرتس إرتبط إسمه بالأندية ودون المنتخبات، (العمل والمهمة والمسؤولية والاستحقاقات والأهداف واللاعبين) كلها عناصر تختلف بين النادي والمنتخب، لذلك كان من الطبيعي أن يستشرف غيرتس وهو يقود المنتخب المغربي لأول مرة هذه المهمة بكل تحدياتها، وهو أمر طبيعي أن لا يوقع المنتخب المغربي على مشاركة غير ناجحة حتى وهو يضم لاعبين جيدين، فالرجل يستشرف لأول مرة المنافسة الإفريقية، إذ لم يسبق له أن خاض منافستها كلاعب مثل مجموعة من المدربين الذين يقودون منتخباتهم، ولم يسبق له أيضا أن عمل كمدرب، لذلك كان من الطبيعي أن يفاجأ بطقوسها وكذا بمنتخباتها وطريقة اللعب، وهو الذي قال بعظمة لسانه أنه مندهش للإندفاع الذي يميز الكرة الإفريقية وكذا بطريقة لعبها. لقد أطلق غيرتس العنان للسانه قبل انطلاق المنافسة لكنه اليوم يؤكد أنه صُدم بما عاشه في الغابون، والظاهر أنه احتقر الكرة الإفريقية وهو الذي سمع عليها دون أن يعيش تجاربها، لم يعرف غيرتس أنها أصبحت كرة عالمية، ذلك أن أكبر الأندية الأوروبية تقتات من مواهبها، ورغم ارتجالية الكرة الإفريقية فإنها بلغت شوطا كبيرا من التطور والتقدم، لذلك فإن التجربة أخذت مأخذها من غيرتس وهدمت كل الأحلام الوهمية التي كان يحملها قبل كأس أمم إفريقيا، وأعتقد أنه وجد في هذه المنافسة حقلا لتوسيع دائرة تجاربه واكتشاف ما كان يجهله من أسرار وقوة المنتخبات المشاركة. والظاهر أن هذه التجربة هي التي دفعت بالطرابلسي مدرب منتخب تونس أن يتفوق عليه، لأن المدرب التونسي يعرف جيدا خبايا هذه المنافسة والأجواء التي تدور فيها حيث خاضها في عدة منافسات كلاعب قبل أن يدخل تجاربها كمدرب، وقس على ذلك من المدربين الذين يقودون اليوم منتخباتهم باستحقاق. لقد أدى غيرتس ضريبة ثقته الزائدة وربما غروره وضريبة قلة تجاربه أيضا، لذلك نتمنى أن تكون صدمة كأس أمم إفريقيا خير علاج له، أن تكون هذه الصفعة كافية ليستفيق من حلمه.. طبعا لم نطلب من مدرب بالكاد إشتغل مدة سنة ونصف ليحمل معه كأس إفريقيا، ولكن نطلب أن لا يبيع الوهم ولا يضحك على ذقون المغاربة، فلا يعقل أن مدربا ما زال يتعلم وينهل من دروسه الإفريقية وبتجارب دولية محدودة أن يوهمنا بعالميته، فالمطلوب منه أن يتعلم ويستفيد من هفواته قبل أن يتحدث عن الألقاب.