الخيط لبيض عندما تحول تاعربت إلى تاهرابت ونسج حوله المغاربة مجموعة من الطرائف، فضل المدرب غيرتس إحالة الصحافيين على أداء البديل السعيدي، الذي جعلنا ننسى هروب عادل وندعو له بالماء والمكنسة، وبعد أن هدأت العاصفة وجفت الأقلام، نجحت المساعي الحميدة في إنهاء صلاحية لجنة «تقصي» الحقائق نسبة للقص، وتبين أن المنتخب غفور رحيم، فعاد الولد الشقي إلى عرين الأسود معلنا توبة نصوح. لم يقاطع غيرتس تاعرابت، لم يستغل توبته ليحوله من لاعب فاعل داخل المجموعة إلى عنصر مفعول به، بل ضمن له كامل حقوق العودة، ولم يقتصر الأمر على ترسيم تاعرابت في التشكيلة التي واجهت تانزانيا، بل قامت مؤسسة المغربية للألعاب والرياضة بإنهاء مصادرة العملية الإشهارية، وأعادته إلى الثالوث الدعائي خرجة وحجي والشماخ، بل إن أشد الناس فرحا بتسجيل تاعرابت للهدف الثاني هو يونس مشرافي مدير لاماروكان دي جو، الذي طار من شدة الغبطة من المقصورة إلى المنصة الشرفية، لأنه راهن على عودة تاعرابت أكثر من الآخرين فربح الرهان. تفهمنا إذن موقف مشرافي وغيرتس، رغم مؤاخذاتنا على المدرب الذي كان سؤال تاعرابت يشكل له غصة في الحلق، فيفقد هدوءه كلما داهمه صحفي بسؤال حول سر غياب الفتى الشقي، لكن ما لم نفهمه هو طريقة تدبير كثير من المدربين لخلافاتهم مع اللاعبين، فيعتبرون الإستغناء عن اللاعب أهم من الفوز على خصم في موقعة كروية. لو أحسن الزاكي بادو تدبير خلافه مع العميد السابق للمنتخب الوطني نور الدين نيبت، واحتكما إلى منطق الوطنية، لما تعثرنا في اللحظات الحاسمة من المشوار، لو نجحت جلسة الصلح التي رتبها رئيس الجامعة بين المدرب والعميد لفوتنا الفرصة على تجار الخصام الذين يقتاتون من حروب الإخوة الأعداء، ولما سكب الصحافيون كميات حبر تكفي لكتابة ملاحم الكرة المغربية. حين نشب خلاف في أكرا خلال منافسات كأس إفريقيا للأمم بين المدرب الفرنسي هنري ميشيل وطلال القرقوري، عجزت جامعة كرة القدم عن تذويب جليد الخلاف، ومصادرة خطبة الوداع التي حررها العميد بمداد الإستقالة، فتحول النزاع إلى قضية زرعت في معسكر المنتخب فيروس الحمى الزرقاء، فخرج منتخبنا بشكل مذل وأضعنا وقتا كثيرا في البحث عن مسببات الداء بدل البحث عن الدواء. ونشب صراع بين امحمد فاخر المدرب السابق للمنتخب الوطني وكثير من اللاعبين الدوليين، كالشماخ وخرجة وحجي وقرر كثيرون الإستقالة من المنتخب بعد أن كلوا من المعارك الجانبية التي تفجرت في القاهرة خلال منافسات كأس إفريقيا للأمم سنة 2006، ولأن الجامعة تجيد تعليق الحجام كلما سقطت الصومعة، فقد بادرت إلى إقالة طبيب المنتخب الدكتور الزاهي وكأن الرجل إرتكب خطأ طبيا رمى بالمنتخب في ذيل التصنيف العالمي. في صراع مدربي المنتخب مع العمداء، تفضل جامعة الكرة التحلي بالحياد السلبي بدل التدخل، بينما تلعب الوزارة الوصية دور النعامة وتدفن رأسها في الرمل كي لا تلتصق بها تهمة عدم التبليغ. لا تقتصر الحروب الأهلية بين المدربين واللاعبين على المنتخب الوطني، فلطالما نصب مدربو الأندية الوطنية المشانق في الملاعب، وطلبوا من المفتي وجهة نظره في إعدام لاعب بتهمة «إهانة مدرب أثناء القيام بواجبه»، كما حصل ليوسف لمريني مدرب أولمبيك خريبكة الذي غير في موسمين ثلاث مدربين مساعدين، مدربان للياقة البدنية ومدرب للحراس، ومسح كل الآثام في الحارس الثاني للمنتخب الوطني بعد أن حمله خسارة فريقه أمام الوداد، في تصريح غير مسؤول فتح به جبهة صراع مع الحارس وكثير من زملائه اللاعبين. نحن أمام صراعات يلعب فيها المسيرون دور المتفرج السلبي ويجني من ورائها الفريق نكبات لا تمر مرور الكرام، بل مرور اللئام. لو امتلك كثير من المسؤولين الشجاعة الكافية لتطويق الخلافات، لتقدمنا درجات في تصنيف الأخلاق قبل تصنيف الكرة، لو أقلعنا عن عادة صب الزيت على النار، لكان لكرتنا شأن آخر، ولأعفينا صندوق المقاصة من محنة البحث عن توازنات لدعم ثمن الزيت. حالة تاعرابت درس في الصفح والآخرون دروس في فن الصفع.