ما ذنب الهلال؟ نطلب لإبداء الرأي بكامل التجرد، ونضغط على كثير من النزوات الساكنة في تجاويف الذاكرة، لنأتي بالرأي الذي تتحقق فيه نسبة كبيرة من النزاهة والموضوعية.. النزاهة الفكرية التي تقول أن للآخرين ظروفهم وإكراهاتهم التي لا يمكن أن نغفل عنها، لذلك وجدت من الضروري، تطابقا مع حجم الإنتظارات ووعيا بأهمية الشيء، أن أعرض لما يتفاعل منذ أيام في ساحتنا الرياضية وأيضا في الساحة الرياضية الفرنسية، بعد توقيع كل من عادل هرماش سقاء الفريق الوطني وسقاء لانس سابقا ويوسف العرابي مهاجم الأسود وأحد أبرز هدافي بطولة فرنسا لنادي الهلال السعودي.. ووجدت أن اللاعبين معا تعرضا لجناية فكرية أسقطت عنهما معيار التحصن ضد جاذبية المال، فقد أتهما هنا وهناك بأنهما إنجذبا لرنين الدولارات أكثر ما خضعا لأوامر الضمير الرياضي الذي يوجه في العادة اللاعب في مشواره الإحترافي.. أحبطنا نحن المغاربة أن يكون عادل هرماش ويوسف العرابي وهما في سن النضج الكروي (24 ربيعا) قد اختارا اللعب للهلال السعودي خضوعا لما مثله العرض من جاذبية مالية دون التفكير لحظة واحدة إن كان انتقالهما للعب بالبطولة السعودية في الظروف المناخية التي يجري الحديث عنها بإعمال كثير من الشوفينية التي تسقط كل إعتدال، ومصدر الإحباط أن تكون لهذا الإختيار، وهو رياضي، ولا بد أن نفهمه كذلك تداعيات خطيرة على أداء اللاعبين معا وقد أصبحا يمثلان للفريق الوطني علامة العهد الجديد، فالأكيد أن تراجع مستواهما لما نعتقده جميعا من وجود خلاف كبير في طبيعة الأداء وحجم الإيقاع سيتأثر به مباشرة الفريق الوطني.. وإذا ما كان الأمر قد أحبطنا نحن، فإنه أصاب الصحافة الفرنسية بهوس غريب.. فقد رأت في هذا الإنتقال الفجائي للاعبين وهما معا صناعة فرنسية كاملة ضربا عميقًا لسياسة التكوين بفرنسا.. فقد إنتظر الصحفيون الفرنسيون أن يفتح التألق الكبير ليوسف العرابي وحتى لعادل هرماش هامشا لدخول بطولات أوروبية أعلى قيمة وشأنًا، ليكون ذلك زيادة في علامة الجودة للتكوين الفرنسي، لذلك كان من الطبيعي جدًا أن تصل الصحافة الفرنسية حد السخرية اللامبررة للتعليق على إنتقال العرابي وهرماش للهلال السعودي، وأظنكم تعرفون مدى حساسية الفرنسيين اتجاه كل ما له طبيعة مادية في تثمين الأشياء، حتى لو أن فريق عاصمة الأنوار، باريس سان جيرمان كان سيكون اليوم في عداد المتوفين بجلطة الأزمة المادية لولا حضور منقذ عربي بجنسية قطرية.. وأتصور أن ما ذهبت إليه كثير من التعاليق سواء التي صاغها الإحباط أو التي صاغتها الدهشة أصاب عادل هرماش ويوسف العرابي بظلم كبير، إذ لاحق لنا جميعا أن ننصب أنفسنا بدلا منهما في تقرير مصير رياضي بات اليوم موضوع نقاش مستفيض تتدخل فيه أطراف كثيرة، كما لاحق لنا أن نبخس حق الهلال في أن له القدرة أولاً والجسارة ثانيا وبعد النظر ثالثًا في إصطياد العصافير الناذرة وهو النادي الذي أعطته إنجازاته الكبيرة لقب نادي القرن في القارة التي لا تغيب عنها الشمس، وأيضا لا حق لنا أن ننغلق على أنفسنا وننساق للنفس الأمارة بالغل فنعتبر أن إحتراف العرابي وهرماش بالهلال ضربا من ضروب العبث والتجني على المستقبل الكروي. ومن دون أن أنصب نفسي مرافعا عن حق معنوي وكروي يهدر بشكل سافر في معترك الحوار، فإنني أحيل نفسي وإياكم على سنة كان خلالها هجوم الفريق الوطني محترفًا في البطولة السعودية، فعندما كان هنري ميشيل يصوغ مع الفريق الوطني سنة 1996 تأهلا محلميا إلى نهائيات كأس العالم 1998 بفرنسا، كان صلاح الدين بصير معشوق الجماهير قد انتقل من الرجاء للعب إلى جوار الهلال السعودي، وما حال ذلك برغم كل الإكراهات التي عاندها بقلب المؤمن والصبور صلاح الدين بصير دون أن يكون نجم مونديال فرنسا بتوقيعه لهدفين أنطولوجيين، عبد الجليل هذا (كماشو) رأس الحربة الفعلي للفريق الوطني كان يلعب وقتها لإتجاد جدة وإلى جانبه كان المهاجم الآخر الخالد في الذاكرة أحمد البهجة.. أبدا ما تأثر أداء النجوم المغاربة وهم يلعبون وقتها بأعداد قياسية في واحدة من أرقى البطولات الأسيوية بل وأقواها على الإطلاق في منطقة الخليج العربي، على العكس من ذلك عبر صلاح الدين بصير إلى الإحتراف الأوروبي، وانضم لديبورتيفو لاكورونيا الإسباني من بوابة الهلال.. ومن إتحاد جدة طار كماشو إلى النادي الإفريقي التونسي ومنه إلى خيخون الإسباني.. وكان الهلال السعودي أيضا جسر عبور سعيد شيبا إلى كومبوسطيلا الإسباني.. تأكيدا سيتأثر عادل هرماش ويوسف العرابي باختلاف العوائد والعادات والثقافة الكروية.. وسيتأثران نسبيا بالنقص الملحوظ في درجة الإيقاع التي تجري عليها المباريات، ولكن مفعول هذا التأثر سيضعف إن تملكت هرماش والعرابي الرغبة الجامحة في الإبقاء على نفس الحس الإحترافي في تدبر مرحلة مختلفة، وإن لم يبديا أي تنازل عن الضوابط المهنية التي تلزمهما بها التقاليد الإحترافية، ثم إن بصمة الناخب الوطني غيرتس على الصفقتين هي بمثابة إلتزام واقتناع، إلتزام بشروط الحفاظ لكل اللاعبين الدوليين على منحاهم التصاعدي واقتناع بصواب الإختيار.. --------------------- ما الغرابة في أن ينعقد الجمع العام للوداد في زمن قياسي ولا تؤخذ لأول مرة أهميته ولا حتى مصيريته بطول المسافة الزمنية؟ هل كان ضروريا أن يمتد جمع الوداد لساعات طوال حتى نقول عنه إنه جمع عام تاريخي؟ هل نجد في قصر مدته وعمق دلالته هزيمة لنا نحن الصحفيين وقد بشرنا هنا وهناك بأن هذا الجمع يطبخ على نار الأزمة والخلاف وأنه ينذر بحالة من الإحتراق؟ لا أجد حاجة حتى لعرض هذه الأسئلة إشباعا لفضول صحفي، فما كان مومئًا إليه من خلال هذا الذي حدث أن هناك توافقا داخل الوداد وأن هناك قبضة من حديد لا تترك القلعة عرضة لسحابات وأعاصير الصيف والجموع.. التوافق الذي يقول بتوحد اللغة والخطاب وجوهر العمل والقبضة الحديدية التي تقول بقوة عبد الإله أكرم، قوة كاريزماتية وقوة تدبيرية، تجعل الأرقام وحدها تتحدث عن نفسها، دونما حاجة إلى تنميق أو تزييف أو لعب على الحبال... عندما يكون رئيس الوداد رجلا دقيقا وصارمًا وبغاية الحرص على أدق التفاصيل، فإنه لا غرابة أن تنطفئ جذوة المشاكل المفتعلة ويطوي الوداديون صفحة سنة وهم مدركون إدراكًا كاملا أن فريقهم موضوع بين أياد أمينة وذلك أصلاً ما يبحث عنه أكرم.. صورة من أكرم ومن الوداد في كل الأندية الوطنية ذات العمق التاريخي، هذا ما نريده ونحن نعبر إلى ضفاف الإحتراف، حيث لا مكان لهواة أكل لحم الأندية نهارًا جهارًا، بلا حسيب ولا رقيب.