وراء كل انتصار سؤال المرحلة، ما العمل؟ إنتهت الأفراح والباقي أخطر روح المحيط والجماعة رفعت الأسود في العالي لننسى الفوز.. فالعرس المغربي إنتهى، وننتظر عرسا آخر بإفريقيا الوسطى في أخطر موقعة لا يعرفها غيرتس من الطقوس والتحكيم والأرضية والخصم.. لننسى الفوز، ونبحث عن فوز آخر وعيد آخر بلحمة انتصار المجموعة على قيمها الذاتية والحسية والنفسية.. وتعالوا نقرأ سؤال المرحلة القادمة. ما العمل؟ كما في الإقصاء والكوارث والإخفاقات التي سادت في مسار المنتخب المغربي، نقول ما العمل؟ وماذا يجب التحضير له أصلا، لكن أيضا في مسار النجاحات، يجب أن نستبق المستقبل بماذا يمكن استثمار ذلك بسؤال، ما العمل بعد أفراح الرباعية على الجزائر؟ طبعا ليست مباراة الجزائر التي أخرجت الشعب المغربي في تراب المملكة في الرابع من يونيو، إلا مباراة ملعوبة في إطار صراع المجموعة للتأهل إلى كأس إفريقيا.. ولا يمكن أن ننام على الفرح المؤقت لأنه مرتبط فقط بثلاث نقط مربوحة في الصدارة المشتركة مع إفريقيا الوسطى، وما هو منتظر أصعب من اليوم بطقوس مغايرة ستبدو أمام غيرتس إكتشافا جديدا للقارة السمراء وفي أدغالها على غير ما عرفه وعاشه بمدينة عنابةالجزائرية القريبة من أجواء المدن المغربية.. والعمل يبدو ملازما لتكريس النجاح الأول بنفس المنظومة التي ترجمها الفريق الوطني بإقناعه وقناعاته ومحيطه وعقليته وثقافته الروحية للوطن، والعمل القادم أقوى مما نتصوره نحن بمؤشر التفاؤل نحو النصر على الجزائر كعقبة أقوى من الخصمين الآخرين، لذلك تبدو طبيعة العمل القادم مرهونة بما يمكن أن ينجح فيه الفريق الوطني في توليفته وانسجامه وروحه وثقافته في التعامل مع الخصوم، أيا كانت نقاط ضعفه وقوته، وهذا هو الجانب الأكبر في معادلة القراءات المسبقة لما هو آت من أحداث بعضها قريب ب 120 دقيقة للتأهل أمام إفريقيا الوسطى وتانزانيا، وآخرها استثمار هذا التأهل للدخول في نهائيات كأس إفريقيا بقوة نيل البطولة، لا المشاركة فيها فحسب. المناعة التي سيّجت المنتخب للتاريخ كنا نقول دائما، لدينا منتخب كبير، لكن ليست له أدوات فنية تقرأ المحيط واللغات والتواصل والإختيارات الملائمة للأدوار، ولم ينجح خلالها المنتخب بعد 2004 إلى غاية التركيبة الرباعية لترسيخ الهيبة القوية للأسود في كثير من الأحداث القارية.. وكنا بحاجة إلى رجل صارم وكاريزمي وتواصلي يضع المنظومة الإختبارية للمنتخب على سكته الصحيحة، ورجل يلقح مجموعته بمناعة مضادة لأي فيروس نقابي، ورجل يمنح للكتيبة الروح القدسية والمعنوية والوطنية والحسية لشعار البلد وشعب البلد وملك البلد ونتيجة البلد.. ما كنا نبحث عنه فعلا أمام الجزائر هو الإنتصار بأي طريقة كانت ولو بجزئية بسيطة مثلما فعلت الجزائربعنابة، لكن غيرتس كان يعرف أن مناخه التقني ليس أوروبيا كما عاشه بهولندا وبلجيكا وتركيا وفرنسا، بل يدخل عالما غريبا عليه بالقارة السمراء في قساوتها المناخية وطقوس كرتها وهول تحكيمها وملاعبها غير الملائمة للكرة. ما يعني أن الرجل أتى ليلقح نفسه بالمناعة القارية، ويقيس عليها طبيعة المنتخب المغربي في رجاله ونجومه وشاكله السابقة، وربما قرأ العديد منها في مواقف ودية ورسمية اختار منها وجوها كثيرة تحت وطأة مشاكل خاصة وإصابات وضعف الجاهزية، لكنه كان متأكدا من أنه سيختار المناعة الملائمة لجسد الفريق الوطني في استعادة روحه وتعبئته وضخ دماء جديدة قال عنها دائما أن أمهرها موضوع في اللائحة المفتوحة للمواهب التي تستحق حمل القميص الوطني، وربما نجح في ذلك أمام الجزائر رغم ظرفية الحدث تحت إكراهات عديدة بالإصابات ومشاكل البعض، لكنه في آخر المطاف قدم المناعة التي حصنت الأسود بما يسمى روح الفريق وروح الجماعة وروح المحيط. قناعة المحيط ربما لم تعش مع المنتخب الوطني هذه القناعة التي أسعدت كل المغاربة بالتعبئة المضاعفة للمردود والعطاء للمحترفين والمحليين، لكنها قناعة ظاهرة أملتها ردة فعل التوهج في الأهداف وروح العناق الحار بين كل فصائل اللاعبين بمن فيهم الإحتياطيين والطاقم الفني والطبي، وأملتها روح المحيط الذي تسيج بالتركيز المباراة في زمنها وفصولها وشريط هيجان هجومها، وأقواها كان التركيز الذهني والنفسي للحدث كما لو أنه نهاية عالمية، وقد يحدث هذا التصور وهو ما نرمي إلى تجسيده في أي مباراة كانت سهلة أو مصيرية بطعم وإرادة غيرتس الذي كان وما زال يكره الهزيمة، ويعشق أن يفوز انطلاقا من أرضية العمل التي يؤسس عليه جميع قناعاته واختياراته لرجال الأمكنة المناسبة في المبارتين المقبلتين كنتيجة فعلية للروح التي زرعها غيرتس في مجموعته طيلة التحضيرات (تسعة أيام) كمدة قدمت لديه أقوى لحظات التواصل مع أسطوله، وأقوى الجلسات النفسية والذهنية للتركيز على المباراة بالإرادة التي يبحث عنها لانتزاع خيوط الفوز.. وأعتقد أن سر هذا التجمع أعطى للرجل بوادر نجاح المهمة لأنه كان في البداية مشؤوما بتوايخ فيفا للتجمع يومين أو ثلاثة للعب مباراة رسمية، وربما إقتنع ألف في المائة أن عمله نجح في مدة التحضير بغض النظر عن الرجة التي أحدثها عادل تاعرابت تركت أثارا نفسيا على غيرتس وعلى الفريق الوطني، وربما ظهرت أمامه بوادر اللحمة الشاملة للفريق الوطني بالصرامة التي يريدها في حمل القميص الوطني والصرامة الواقعية في الرقعة والصرامة الأولية في حواره المسبق مع اللاعبين ككوتش يقود السفينة من أجل أن لا تغرق ولكن من أجل أن تصل بالنجاح المطلق، وأعتقد أن قناعة الأسود بدور الرجل وماذا يريده كقائد، منحهم الثقة الكاملة لزرع قيمة الحب الوطن وقيمة انتظارات الجماهير بروح الفوز الذي لا يأتي عادة إلا بمناخ جيد بين أفراد الأسود كاملا. تاعرابت.. النقطة النفسية الثانية ودائما في وازع روح المحيط.. كانت مغادرة تاعرابت النقطة التي أفاضت الكأس لزعزعة الأسود معنويا، والواقع أن هذه الرجة إما أن تقتل عمل المجموعة طيلة التربص، وإما أن تزيده اللحمة الإضافية، لأنه جرت العادة في سابق تربصات المنتخب المغربي مع المدربين السابقين أن كثيرا من الوجوه أعدمت الروح لدى الفريق الوطني وكسرت لديه كثيرا من الأحداث، ولم يستطع الفريق الوطني أن يتخلص من الفتن على الإطلاق، ولم يستطع أي مدرب معالجة الصراعات والنقابات، وفشل في مهامه ورحل.. إلا أنه مع غيرتس، ربما انتعشنا بجدية الصرامة التي تعامل بها مع تاعرابت كلاعب أكثر من التصريحات الصادمة والتهديدات في مواقف عدة، وقد يكون موقف غيرتس رجوليا لأنه لم يرحم تاعرابت في الندوة الصحفية وأكد له هوائيا لماذا اختار السعيدي، ولا أحد يناقشه في ذلك لأنه الكوتش الذي يختار الكتيبة وليس النجم الواحد وتفضيله على الآخر، وهو ذات الجواب الذي يؤكده قبل المباراة لأنه كان يركز على الحدث ولا يأبه بمغادرة تاعرابت كلاعب يعتبر نفسه فوق الكل، وهذا العامل النفساني لمغادرة تاعرابت هو ما منح الروح الثانية للفريق الوطني لتتلاءم مع روح التحضير الذهني والنفسي والبدني والتكتيكي، وقدم للفريق الوطني زيادة بطارية إضافية في القتالية والبحث عن الفوز بالروح التي أقدم عليها غيرتس في وحدة فريقه بشهادة المدرب وأغلب اللاعبين اعتبارا منهم أنهم رفضوا مطلقا تصرف تاعرابت الصبياني، ويتحمل مسؤوليته هو شخصيا دون أن يؤثر عليهم ذلك، بل زادهم هذا الفعل ثقة وعزيمة نحو النصر. لا للغرور وبهذه التوليفة الروحية التي قدم بها الفريق الوطني نفسه، يكون قد توصل إلى مفهوم الإنتصار الوطني المبحوث عنه منذ مدة طويلة بالطريقة والأداء والحس والروح الجماعية، لكنه كما قلت في البداية، ليس انتصارا إلا في مباراة واحدة رد فيها الإعتبار، وأمامه 120 دقيقة لمواصلة نفس العمل المؤدي إلى التأهل، وقالها حجي بصريح العبارة: «نحن سعداء بهذا الإنتصار الكبير، لكن هذا لا يمنع من التأكيد على أن لا نظل فرحين لمدة طويلة، بل علينا مواصلة العمل ثم العمل نحو التأهل».. ولو ساد النوم على ذات الفرح أمام الجزائر في لقاء انتهى، قد تحدث الرجة غير المنتظرة فيما لو أعيق سير المنتخب أمام إفريقيا الوسط فى مباراة نعتبرها جميعا ملغومة لمنتخب إحترم الفوز بأرضه أمام الجزائر بهدفين لصفر، وأمام تانزانيا بهدفين لواحد، وانتزع منا تعادلا بأرضنا من دون حضور إريك غيرتس، إلى جانب التصريحات الملغومة للمدرب الفرنسي جيل أكورسي المشرف حاليا على منتخب إفريقيا الوسطى، ما يعني أن إرادة فوز الأسود بإفريقيا الوسطى هي العلامة الكبيرة التي يجب ترجمتها بذات الروح الإستباقية للحدث بحكم قيمتها المصيرية في نظري، إذ الفوز هنا يؤشر لمرور هادئ للأسود، والتعادل أيضا أولوية بهدف لمثله للتأهل في انتظار فوز الأسود على تانزانيا بحصة قوية، وفوز إفريقيا الوسطى بالجزائر كاحتمال وارد في الكرة، لكنه غير وارد لأن الجزائر أصلا تبحث عن عشر نقط قوية تمنحها انتظار مكان أفضل ثاني المجموعات. ولهذه الغاية، يجب استبعاد أي نتيجة غير الفوز بإفريقيا الوسطى لإنهاء مخاض القراءات بروح المحيط المرتقب أن يكون قويا أمام إفريقيا الوسطى لمواصلة قيمة استثمار عمل المجموعة والمدرب معا. المنافسة على المراكز ونعرف جيدا أن ما قاد غيرتس إلى النجاح الأول هو اختياراته المنهجية للوجوه التي يرى فيها قوة ضاربة في أي موقع توظيفي دفاعا ووسطا، وأن يؤسس أسطوله الجديد بأسامة السعيدي ويونس بلهندة والمهدي كارسيلا وعبد الحميد الكوثري وأحمد القنطاري وبنعطية، كقناعات جيدة وجديدة انغمست في روح القدامى (حجي، الشماخ، خرجة، قادوري، بصير، بوصوفة، العليوي، هرماش، لمياغري وكل المحليين)، فمعنى ذلك أن غيرتس يؤثت منتخب المغرب بجيل المستقبل بوازع الخبرة والحنكة وإضافة توابل المواهب القادمة التي يمكنها أن تزرع الإضافة والإكتشاف الذي يحلم به أي عاشق للنجوم، وأعتقد أن غيرتس يسير في هذا الإتجاه لطرح قدرات المنافسة على الأدوار حتى لا يظهر على أي كان علامات اليأس مثلما حدث لتاعرابت، وأضاع على نفسه موقعا وطنيا به ترفع كوطته الإحترافية.. وأعتقد أن كل من شاهد السعيدي سينسى تاعرابت سريعا، ومن يشاهد كارسيلا، فسيرى العجب مستقبلا في الخط الأمامي ولن تطرح بعد الآن مصائب المشكلات التي تهز عرش من يعتقدون أنفسهم رسميون بلا استئذان قائد السفينة الذي يختار رجاله بالإنضباط والصرامة والجاهزية لا الإملاءات الفارغة، وربما تعتبر هذه المسألة هي نقطة قوة غيرتس، لأنه كلما وسع القاعدة كل ربح العناصر التي تحدث له الفارق في أي حادث أو زلة طارئة مثلما أحدثها عادل تاعرابت.