بصمة غيرتس، شخصية الفريق والنجاعة الهجومية أحدث الفوز الإستراتيجي الذي حققه الفريق الوطني بدار السلام أمام منتخب تانزانيا إنفراجا كبيرا إلى درجة أن بيننا من وصفه ببداية الخروج من النفق المظلم ومن إعتبره نهاية للأحزان، وهي نعوث تنطبق جميعها على فوز منعوث بأنه حرر المغاربة ونفّس كربتهم و أعادهم لجزر الأحلام.. كان يكفينا هذا الفوز، بالحصة الصغيرة التي جاء بها وبصرف النظر عن طبيعة المنتخب الذي تحقق أمامه، وبدون أخذ بالإعتبار السياق الزمني الذي جاء فيه، لنقول أن أسود الأطلس تحرروا من أثقال خيبات الأمل التي تلاحقت إلى درجة أنها أحدثت غمة كبيرة في القلوب، ولنقول أيضا أننا أخذنا أخيرا طريق الضوء لتبين ملامح المستقبل.. وطبعا هذا المستقبل هو ما يجب أن نستقرئ اليوم خطوط الطول والعريض فيه، هو ما يجب أن نقيس فيه ما هو ممكن وما هو مستحيل، هو ما يجب أن نقدر معه جيدا مقدراتنا على رسم حلم مطابق لواقعنا الكروي، حلم يتأسس على نواة أكثر ما يتأسس على أضغات. إستراتيجية الفوز عقب تعادلنا المحبط أمام جمهورية إفريقيا الوسطي والذي كلفنا أغلى نقطتين في مشوار التصفيات، ورمينا كل الخيبة وكل تبعاث الإخفاق على ما إختارته الجامعة لحاضر الأسود من حالة شاذة تمثلت في الإرتباط بإيريك غيرتس وهو على ذمة فريق آخر.. قد نختلف في وصف هذا الذي حدث، فقد تراه الجامعة مجازفة ومخاطرة محسوبة، كما يمكن أن نراه نحن حالة هذيان لا نأمن عاقبتها.. والواقع أنها كانت حالة مستحدثة، هي من طبيعة الأخطاء التي تتحدد فداحتها بحسب ما يترتب عنها من نتائج.. والحمد لله أن الخطأ لم يستشر.. فبعد أن فقدنا نقطتين أمام إفريقيا الوسطى جاء الفوز على تانزانيا هناك بدار السلام ليتجاوز بنا مرحلة صعبة وشائكة.. وقد أكدنا على إستراتيجية هذا الفوز الذي تحقق بدار السلام عندما قلنا أنه يعطينا صدارة المجموعة مناصفة مع المنتخب/ الظاهرة لإفريقيا الوسطى، ثم إنه يعيد للفريق الوطني برمته ولكل المغاربة أملاً في المستقبل تتوقف جغرافيته على مدى قدراتنا نحن في ترجمته على أرض الواقع، وهو على الخصوص يضعنا في سياق زمني مريح، إذ سنعمل للأشهر الخمسة القادمة على تحضير مباراة الجزائر بنفسيات مرتاحة وعلى الخصوص بنفسيات معافاة.. وخلال هذه الأشهر الخمسة الفاصلة عن مباراة الجزائر، وفي تقديري أنها مباراة على درجة كبيرة من الأهمية، سيكون المدرب والناخب الوطني إيريك غيرتس قد حضر إلى المغرب وبدأ فعليا مباشرة عمله كناخب وطني بعد أن إنتدب مساعده دومنيك كوبيرلي لتدبر مبارتي إفريقيا الوسطى وتانزانيا، وأكثر من ذلك سيكون لحظه أمام محكين وديين أمام إيرلندا الشمالية ببلفاست يوم 17 نونبر القادم وأمام تونس يوم 9 فبراير من العام القادم ليهيء الفريق الوطني للقادم من المباريات على نار هادئة.. بصمة غيرتس وطبعا نستطيع أن نحدس ما يمكن أن يباشره غيرتس داخل الفريق الوطني من عمل بمختلف الأبعاد.. فما هو نفسي وذهني يقول بضرورة تقوية شخصية الفريق الوطني ليقوى على تحمل صعاب المرحلة وعلى تحدياتها، فما كان من إخفاقات ومن خيبات أمل وأيضا من إقصاءات في صورة نكبات يعود بالأساس إلى أن التغييرات الكثيرة التي حدثت على الجهاز التقني للفريق الوطني خلال الأربع سنوات الأخيرة أضعفت شخصيته إلى الحد الذي أصبح معه اللاعبون عبارة عن حطام نفسي.. وشخصية الفريق الوطني تكون بالأساس مستوحاة من فكر المدرب وأيضا من هامش الإستقرار، لذلك نرى أن غيرتس سيكون منذ اليوم بشكل أكثر إلحاحا مطالبا بتحديد ملمح شخصية الفريق الوطني، بمعنى أن يحدد طبيعة العلائق.. منهجية العمل ويوحد لغة التعامل بهدف صهر الجميع داخل بوثقة واحدة.. ثم يأتي بعد ذلك عمل آخر في العمق، له طبيعة تكتيكية، إذ سيكون من الضروري تقوية هيكل الفريق الوطني بالإستفادة طبعا من كل الذي تداعى في الأونة الأخيرة، وبخاصة في المبارتين الأخيرتين أمام جمهورية إفريقيا الوسطى وتانزانيا.. وإذا كنا في قرارة أنفسنا وبالإعتماد على ما هو كائن وموجود نقول بأن الفريق الوطني له رصيد كبير من اللاعبين من ذوي المستويات العالية، وبأن أكثر ما يجب العمل عليه هو مطابقة هذا الفريق برصيده البشري مع ذاته ومع ما يقبل عليه من مباريات، فإن هذا كله يحتاج إلى مخطط تقني تكتيكي يتبلور داخل إستراتيجية متكاملة.. لقد أثبتت المباريات الأخيرة أن هناك تفاوتا في قيمة اللاعبين الموجودين حاليا بخاصة إذا ما تم تنسيبهم إلى الخطوط الثلاثة (دفاع، وسط وهجوم)، ودلت ذات المباريات إلى أن هذا التفاوت يحدث إرتباكا واضحا في منظومة اللعب، فلا نستطيع أن نتبين توازنا بداخلها، بل إننا نصل أحيانا إلى متناقض كبير، فإذا ما كنا نشكو ضعف دفاعنا فإنه لم يستقبل في مبارتيه الأخيرتين أي هدف، وإذا ما كنا نتحدث عن قوة هجومنا فإننا لم نسجل في مباراتي إفريقيا الوسطى وتانزانيا سوى هدف وحيد.. نظام لعب يفعل الهجومية هذا المتناقض الغريب قد يكون له إرتباط وثيق بالجانب النفسي الذي تتأثر به في العادة كل الجوانب المتصلة بالإبداع الكروي الجماعي قبل الفردي، ولكنه يصرح بوجود خلل وظيفي هو ما يجب أن يتصدى له المدرب غيرتس في المرحلة القادمة، فإذا ما كان ضروريا أن نؤمن كثيرا الجانب الدفاعي، بخلق عددية ذات قيمة في مختلف المراكز، فإن من الضروري أيضا أن نقوي النجاعة الهجومية لنحدث نوعا من التطابق بين نوعية المهاجمين وبين كل ما هو متاح لنا في المباريات.. والأمر هنا لا يتوقف على مجرد تكديس مهاجمين وازنين، بل يتعداه إلى خلق توليفة هجومية لها هامش كبير للتطور وأيضا للإنسجام بين كل مكوناتها، وأيضا إلى تطوير جانب النجاعة والسرعة في الإنتقال من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية والعكس بالعكس. وأتصور أن إطمئنانا إلى حد ما على المرفق الدفاعي وبخاصة على متوسطه الذي كان عنصر قلق مزمن بعد مجيء أحمد القنطاري الذي يوازيه إطمئنان آخر على وسط الميدان الذي هو بالأساس وسط ربط بخاصة مع عودة المايسترو الحسين خرجة، بجعلنا نتطلع في الآتي من الأيام إلى نظام لعب يكسب خط الهجوم قوة مضاعفة، ويعطيه القدرة بالشكل الذي سيبنى به على التهديف لطالما أن النواة الصلبة موجودة.. طوينا الصفحة لقد كان من حظنا أن الفوز جاء في سياق زمني بالغ الأهمية، وإلا لكان الوضع سيكون قاتما ومتفجرًا، لطالما أن نتيجة أخرى غير الفوز بتانزانيا كانت ستثير مزيدا من غبار النقد المبرح في الساحة الكروية، لذلك علينا أن نحسن جميعا إستثمار هذا الفوز، لا لنقول أنه شافانا من كل العلل والأسقام، ولا لنقول أنه أبعد عنا الحزن نهائيا، ولكن لنعمل على توظيفه بشكل جيد، فالجامعة مطالبة بأن تجعله حزام وقاية ضد كل الهذيانات التي تأتي من فرض فتاوي تقنية باطلة، والأسود مطالبون بأن يجعلوه حافزا على عمل في العمق لإذابة ما تبقى من جليد الخوف والإرتياب والشك، والأندية مطالبة بأن تعتبره أوكسجينا جديدا يدفع إلى تنفس هواء التغيير.. وغدا سنحاسب جميعا على نعمة هذا الفوز، كيف تصرفنا فيها، هل حافظنا عليها أم رمينا بها في عرض البحر؟