جامع لهنا إعتقد منفذ عملية أركانة أن الهجوم على المطعم وتحويل وجباته إلى وجبات دم، سيحكم على ساحة جامع لفنا بالإعدام ويجعل المكان إسما على مسمى، لكن تسديدة المهاجم أخطأت الهدف، وظن عبثا أن الشغب الإرهابي سيحيلنا على فرجة بالوي كلو وبدون جمهور «سياحي». أخطأ منفذ عملية أركانة حين اعتقد أن هجومه على معلمة تاريخية سيكبد الفضاء الكساد المبين، وأن ضربته المميتة ستحكم على الفريق التنشيطي بالنزول إلى أسفل درجات الفرجة، لكن الكوكب المراكشي نزل إلى القسم الثاني دون أن تهبط كوطة جامع لفنا في بطولة المزارات السياحية العالمية. لم يتوقف الحكواتي عن سرد رواياته، ولم يمنح القرداتي قرده إجازة بسبب توقف البطولة، ولم تغلق المطاعم المتجولة أبوابها وتسرح مستخدميها، ولم يصدر قرار من مجلس أمناء مهن جامع الفنا، بإنهاء عمل العرافات وتمتيع باعة الأعشاب المنشطة بالمغادرة الطوعية، ومصادرة خرسانة الحناء التي تستعملها النقاشات، ولم تتدخل السلطات الأمنية لإعلان ساحة جامع لفنا ساحة منكوبة كما اعتقد منفذ العملية الإرهابية ومن يحركه عن بعد، ولم تتحرك دوريات الشرطة لتطهير المكان من المتسولين الذين نسجوا مع الفضاء شهادة إقامة. أريد لساحة جامع لفنا أن تبكي، أن تذرف دموعا على إسفلتها، بعد أن انفجرت ورمت أشلاء زائريها خارج المطعم وأذاقتنا جميعا وجبة دامية، لكنها سرعان ما مسحت دمعها واستعادت عافيتها وتحولت إلى مزار لدعاة السلم والسلام. في نهاية الأسبوع الماضي، شاركت زملائي الصحافيين وأصدقائي الفنانين والرياضيين وقفة رمزية أمام مقهى أركانة، لاحظت أن رقم معاملات الحلايقية والشوافات وباعة العصير والوجبات في الهواء الطلق، والمرشدين السياحيين الأساسيين والإحتياطيين والمتسولين قد تضاعفت، وأصبحنا أمام سياحة التضامن التي ازدهرت معها تجارة الورود والشموع وبددت مخاوفنا من كساد سياحي. ومما زاد من الإقبال على فرجة جامع لفنا، مباراة المغرب ضد الجزائر، التي احتضنتها مراكش فحولت المدينة إلى قبلة للرياضيين المغاربة والجزائريين وعاصمة حقيقية للمغرب العربي، علما أنها شهدت ميلاد اتحاد المغرب العربي بزعماء منهم من لقي ربه ومنهم من أحيل على المغادرة الإلزامية. وقف بعض الأشقاء الجزائريين أمام مقهى أركانة وقرؤوا الفاتحة على ضحايا المكان، قبل أن ينتشروا في الساحة لاقتناء تذكارات وأخذ صور تذكارية مع الثعابين والقردة، بينما اختار بعضهم جلسة القرفصاء أمام عرافة تقرأ كف المباراة، تمنح الإنتصار للجزائريين وللمغاربة على حد سواء، وحين سألها أحد الضيوف عن نتيجة المباراة قالت ستنتصرون بصفر لمثله، أما القرداتي فأصر على تسمية قرده الصغير الأشقر اللون تاعرابت، وكان يتحاور معه كما لو أنه غيرتس، حيث تبادلا اللوم والعتاب في قالب من السخرية العميقة. يقول القرداتي إنه يفضل منح قرده إجازة، حين يتعلق الأمر بحلول جمهور الوداد والرجاء والجيش ضيفا على الساحة، خوفا من السطو على القردة من طرف الزوار، بينما يقول مروض الثعابين إن سلعته نادرا ما تتعرض للسرقة، قبل أن يستدرك ويروي حكاية هروب ثعبان أثار الرعب في ساحة جامع لفنا وجعلها في حالة استنفار قصوى رغم أن المروض أكد بأن الثعبان الهارب غير مسلح بالسم. مباشرة بعد انتهاء الوقفة التضامنية، توجهنا صوب فندق أطلس أسني، وهو أول معلمة سياحية في المغرب تتعرض في بداية التسعينات لعمل إرهابي، كانت نقابة الصحافيين بمدينة البهجة تحاكم فعاليات المدينة حول أسباب النزول، وتبحث عن جواب لسؤال جوهري: الكوكب إلى أين؟ وأنا أتابع مداخلات المراكشيين، الذين كان لسان حالهم يقول ما حك جلدك مثل ظفرك، شعرت وكأن انفجار الكوكب أشبه بانفجار أركانة، فالحدثان كانا من فعل فاعل مبني للمعلوم، واستهدفا بهجة المدينة ومعلمتيها الثقافية والرياضية، علما أن تمثيل جريمة أركانة قد تم بجامع لفنا، بينما لم يتم تمثيل جريمة نزول الكوكب في ملعب الحارثي، بل في فندق أسني. غدا سيتحول ملعب الحارتي إلى مزار لمحبي الكوكب المراكشي، سيحملون أكاليل الورود ويترحمون على كيان كان صرحا فهوى، ويلعنون في قراراة نفسهم «اللي كان سباب». غدا سيردد جمهور الكوكب ما بقي في ريبرطواره الغنائي من أشعار الرثاء، وسيقول بصوت واحد لن تموت مراكش بتفجير أركانة والكوكب، سيعلنون حالة الحداد إلى أن تهب نسائم الديمقراطية على الفريق وينتهي التعامل مع النادي كدار الورثة.