كان تمويها تكتيكيا من أنيس محفوظ القائد الجديد لقلعة الرجاء البيضاوي، أن يذهب قبيل الديربي 131 أمام الغريم الوداد، إلى حد تفنيد ما راج من أخبار حول عزم الرجاء، الإنفصال عن المدرب لسعد الشابي، وقد كان من موجبات هذا التمويه، ما كان الرجاء مقبلا عليه، أياما بعد تنصيب أنيس محفوظ رئيسا جديدا خلفا لرشيد الأندلسي. وبرغم أن هناك من لم يستصغ أن يتحلل محفوظ من إلتزام أطلقه خلال حملته الإنتخابية، بأن يكون للرجاء البيضاوي ربان تقني يستطيع أن يطابقه مع الرهانات المحلية والقارية الصعبة، وأن يستعيد له جيناته الإبداعية الجماعية، إلا أن الرجل كان محقا في الإبقاء على مستودع ملابس الرجاء خاليا من كل أسباب الإحتقان ومن كل مفسدات الود، والفريق مقبل على الديربي، الذي إن خسره النسور الخضر إبتعدوا بثمان نقاط كاملة عن الغريم الوداد، ونحن ننهي بالكاد الثلث الأول للبطولة. أما ما كان صريحا وجازما في فكر الرجل ومن معه، فهو أن لسعد الشابي ما عادت الأجنحة التكتيكية التي ركبها للنسور منذ أن تولى أمام اندهشنا جميعا الإشراف على العارضة التقنية شهر أبريل الماضي، ما عادت تلك الأجنحة تساعد النسور الخضر على التحليق فوق ارتفاع عال، الإرتفاع الذي يسمح للمخالب بأن تطلع قوية لتقبض على أم الألقاب، عصبة الأبطال الإفريقية، وهذا الإقرار بضيق الأفق وبندرة الفتحات التي تدخل الوميض القوي، هو ما زاد أنيس محفوظ يقينا من أن هناك حاجة لخياط جديد يخيط للرجاء جلبابا تكتيكيا، لا هو ضيق يخنق الأنفاس ولا هو فضفاض يسمح لكثل الهواء الباردة أن تزكم الجسم. بالقطع، لا أحد منا سيشكك في الإرادة القوية التي أبداها الشابي ليكسب نقاطا ثمينة تعلي رصيده التدريبي، وقد أسعده القدر بتدريب فريق بقيمة الرجاء، لا أحد يمكنه أن ينزع عن الشابي النجاحات التي حققها منذ وصوله شهر أبريل الماضي معوضا جمال السلامي، ولا أن ينفي عنه براعته في الحصول على لقبين بهما نجح الرجاء في تجفيف جانب كبير من المديونية الثقيلة، إلا أن الإفتحاص الموضوعي للمبنى الفني والتكتيكي للرجاء، والفكر الإستباقي الذي يجب أن يتسلح به القائم على شؤون فريق بحجم الرجاء، يقولان بكل تجرد أن في منظومة لعب الرجاء ما يقول بوجود انسداد واحتباس، لا يمكن معها للرجاء أن يتطابق مع ممكناته الفردية، ولا يمكنه أن يوسع الأفاق التي ضاقت، والبقاء على هذا الحال لن يقدم أي ضمانات بحدوث نقلة نوعية في شكل الأداء، ما يعني أن لسعد الشابي وصل إلى سقف التفكير، ومن غير الممكن أن يأتي الرجل بشيء يحتاجه الرجاء وهو فاقده. قلت هذا الأمر في كثير من تحليلاتي للمضمون التكتيكي الذي تأتي به مباريات الرجاء، وقاله أيضا عدد من الأطر التقنية الوطنية، وليس في الأمر أي تقليل من قيمة الشابي الذي يذهب إلى ما هو آت في مساره الرياضي، وهو أسعد الناس بما قدمته إياه الرجاء، بالفرصة التي مكنه منها الرجاء ليصبح مدرب ألقاب، بطلا لكاس الكونفدرالية وبطلا لكأس العرب للأندية الأبطال. ولا دليل على أن القرار الذي تم الإفراج عنه أول أمس الإثنين، بعد تداول ماراطوني للمكتب المديري للرجاء مساء الإثنين، كان محضرا بشكل قبلي ولا علاقة له لا بالديربي ولا حتى بالتصريحات المعيبة (بحسب الرجاويين) التي أطلقها لسعد الشابي وهو يقارن أجانب الرجاء مع أجانب الوداد، وجرى العرف على أنها مقارنات محرمة لفظا واستدلالا. والدليل على أن القرار صدر مع سبق إصرار وسابق ترصد، أن إدارة الرجاء فتحت العديد من الجبهات لرصد البديل المثالي، ولعلها استقرت بشكل كبير على البلجيكي مارك فيلموت الذي يمثل بحق كرة القدم الحداثية في متطلباتها الإحترافية وفي أنساقها العالية، بحسب ما كانت له من تجارب سابقة، ليس فقط كلاعب يوصف على أنه من أيقونات كرة القدم البلجيكية، ولكن أيضا كمدرب عندما عمل إلى جانب أطر تقنية تعتبر من مرجعيات كرة القدم المتحولة، وعندما تحمل مسؤولية تدريب منتخبات وأندية، كشفت له الكثير من خصوصيات كرة القدم الإفريقية. وبالقدر الذي كان قرار الإنفصال عن نسر قرطاج من وحي القراءات الإستباقية، ومن وحي الحاجات الملحة في الزمن الحالي للرجاء إلى ربان تقني من طراز مختلف، قرارا شجاعا وجريئا ومستبقا، فإن القرار الذي سيأتي بعده، والذي يتعلق بالمدرب البديل، هوية وفكرا ومرجعية، سيكون أيضا قرارا استراتيجيا ومحمولا على كثير من الخطورة، فليس هناك بالقطع هامش كبير للخطإ، وإلا فإن أنيس محفوظ بوصفه الرجل الأول في صناعة القرار، سيكون أول من يؤدي غاليا ثمن فشل المدرب القادم لا قدر الله.