وصفوه بالرشاش والمدفعي والقاتل وبكل الوسائل الاستراتيجية في الحرب، ودرسوا أوضاعه التقنية في ملامسة حقائق الجذب وتهويل الحراس، وركزوا على طريقة تسجيله للأهداف بكل السياقات التي تأتي منها بناءات الأدمغة، وتساءلوا عن سن الرجل في زمن إبداعه الخرافي، وعلقوا على أدائه الأنطولوجي حتى ولو اختفى عليه ممونو وصناع الهدايا، تلك هي صحافة اليونان ومحللو الكرة اليونانية الذين أجهزوا غلى واقع الأحداث بكل ألسنتهم وذوقهم واحترافيتهم في التعامل مع جسارة أولمبياكوس الحائز على لقب البطولة 45 في تاريخه الكروي بمغزى غريب في صناعة التاريخ. طبعا الأمر يتعلق بالدولي يوسف العرابي الذي شكل كل الإستثناءات في كل المسابقات الاوروبية مع فريق اليوناني، إذ لا يتعلق واقع الأمر بغزوة العرابي لكل عرين الأندية اليونانية في ديربياتها وصرامتها وشخصيتها التاريخية بأروبا، ولكن بمقاومة وشراسة وعفوية الهمة المغربية وزئير أسدها الأطلسي حتى ولو شاخ، وهذا العرابي الذي يتحدث عنه الإغريقيون بالجلاد والمحارب والمقاتل والمدفعي وحامل البنادق الخاصة، ليس سوى نجم بدأ يأفل سنيا، ولكنه بقلب شاب لا يعرف التوقف بسرعة وقراءة كل الاشياء الموصلة إلى الأفراح، وعلى هذا الأساس يفاجأ اليونانيون بقدرات العرابي في سن 33 عاما، ويستغربون أكثر كيف لأولمبياكوس أن يفوز بلقب البطولة برصيد أهداف سجلت وصنعت من أرجل المغربي العرابي وفالبوينا الفرنسي (35 عاما)، وهما معا من وقعا جماعيا على 43 هدفا من 58 مباراة، وهما من أبدعا بكل التكامل والإنسجام الوثيقين في بناء العمليات وحسمها على مدار الموسم الحالي في كل المسابقات المحلية والأوروبية. إلا أن ما يراه المحللون هناك هو أن العرابي يعيش اليوم على أكثر من احتفال ليس فحسب على اللقب الذي يعتبر مبدئيا العلامة البارزة لجهد موسم في نظر مسؤولي نادي الألولمبياكوس، ولكن من عدة منطلقات يوضع فيها العرابي، أولها السيطرة على لقب هداف الموسم، وثانيها نيل لقب كأس اليونان الذي سيصارع من أجله هذا الشهر، وثالثا صراع المرور الى ربع نهائي أوروبا ليغ، ورابعا تحطيم الرقم القياسي للهداف الهنغاري لاجيوس ديتاري موقع 30 هدفا في جميع المسابقات في موسم 88 – 89، علما أن العرابي وصل الى سقف 27 هدفا ويلزمه الفوز باللقب الأسطوري فقط أربعة أهداف من المباريات الثمان المتبقية، وهذا ما يسعى إليه العرابي شخصيا للوصول إلى صانع التاريخ لأفضل هداف أجنبي باليونان، وفيما تعززت هذه الرؤيا المجددة لمسار العرابي، سيكون موسما خرافيا واستثنائيا على المستوى الأوروبي. وبغض النظر عن السيطرة التي أحدثها مع الدحيل القطري كهداف مثالي لثلاثة مواسم متتالية وبهدايا لا توصف لتناوله الإحترافي وحسه الشديد في حيازة الألقاب الغزيرة على كل المستويات الأسيوية، يمكن اعتبار الفصيل الأوروبي هو المقاس الذي يوثق قيمة المحترف من الدرجة الممتازة، طبعا هناك فرق شاسع بين أوروبا والخليج، ولكن في مسار العرابي خزينته الأوروبية فارغة من الألقاب ولو أنه مر بأندية متوسطة بين "كون" الفرنسي و"غرناطة" الإسباني ولم يفز معها بالألقاب، ولكن بصيغ هداف الموسم والتاريخي للنادي، لذلك فما يحققه العرابي اليوم هو إعجاز علني وغير مسبوق في سن خبرة عميقة الأثر الفعلي مثل قيمة أثر ونجاعة مشروع وطني ودولي, ولذلك ما بحث عنه العرابي طيلة هذه السنين، تحقق حتى ولو اعتزل هذا الموسم، وما أظن ذلك، لأن الرجل استشعر الولادة في زمن قريب من الإعتزال، ولن يعتزل إلا إذا تخلخلت سمفونية التناغم بينه وبين صناع اللمسة الأخيرة التي تناولها كثيرا من فالبوينا الفرنسي. وعندما تتأسس قناعة أولمبياكوس في الإبقاء على العرابي مجددا وبرفض قاطع للتحول إلى فريق أجنبي آخر كما جاء في تقاطر اهتمامات الأندية الأوروبية الفرنسية منها واليونانية، فإنها تقود نفس الطرح الذي تبناه جوفنتوس الإيطالي في تمديد التعاقد مع شيخي المرحلة، الحارس العملاق بوفون (42 عاما) والمدافع الصلب كيليني (35 عاما) وصاحب الأرقام القياسية في الألقاب مع اليوفي، وقس عليهم حتى رونالدو (35 عاما) لصناعة مجد ذات النادي الايطالي، وعلى هذا الأساس خرج العرابي بمنطوق البقاء والإستمرار في صناعة الأحداث اليونانية وجمل أخرى في سمفونية القيادة شريطة أن يجد عقل الإبهار والردع وتكسير كل الأرقام فيما لو رحل الفرنسي فالبوينا الذي يتحدث أساسا نفس اللغة الفرنسية وكل القراءات المنسجمة في حسم الهدايا إلى عناق الشباك والزر على طلقات البنادق. في النهاية، حرمنا من العرابي لثلاثة مواسم على عهد رونار.. حرمنا من العشق الكروي لأدائه العالي وأهدافه السخية مع المنتخب الوطني، ولو جاز له الحضور ربما كنا سنعيش على وقع عالمي وقاري خاص من معطى غياب النجاعة الهجومية التي تسببت في خروج الأسود من كأس إفريقيا في دور الربع، وكأس العالم من أبوابه السامية أمام تظلم تحكيمي.