يعاني العالم بأجمعه من ذيول تفشي فيروس كورونا المستجد الذي وضع قرابة ثلاثة مليارات نسمة في الحجر الصحي، لكن الرياضيين يواجهون مخاطر إضافية تؤثر على الصحة النفسية نتيجة انتقالهم من نمط حياة نشط للغاية الى العزلة والملل. رغم إظهار قسم من الرياضيين العالقين خلف أبواب موصدة بسبب حظر التجول وإرجاء أو إلغاء جميع المسابقات المحلية والقارية والدولية، شيء من التفاؤل بنشرهم مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يتدربون أو يخوضون تحديات الإنترنت مثل ترقيص لفافة منديل المرحاض، فإن الضغط الناجم عن التأقلم مع الواقع المستجد والمستقبل الغامض قد يكون له أثره. وأشارت المسؤولة الطبية في الجامعة الأسترالية لكرة المضرب كارولين بروديريك في حديث لوكالة فرانس برس الى التأثير الطويل الأمد الذي خلفه وباء مثل السارس وانفلونزا الخنازير على الرياضيين، مثل حالات القلق الشديد والهوس بغسل اليدين وخوف الاقتراب من الناس. لكن تأثير الوباء الحالي غير مسبوق، لاسيما بعد توقف كافة النشاطات الرياضية حول العالم بسبب فيروس "كوفيد-19" الذي صنفته منظمة الصحة الدولية بالجائحة بعدما أصاب العالم بأجمعه ووصل عدد الوفيات حتى صباح الثلاثاء الى قرابة 38 ألف شخص من أصل حوالي 800 ألف إصابة. ومن المتوقع ألا يسلم الرياضيون من الآثار السلبية لهذا الفيروس، إن كانوا من مستوى أسطورة كرة المضرب الأميركية سيرينا وليامس التي سبق لها أن عانت من حالات اكتئاب خلال مسيرتها، أو نجوم واعدين كانوا يتطلعون لما ينتظرهم هذا الصيف في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية قبل أن يتخذ قرار إرجائها حتى صيف 2021 نتيجة "كوفيد-19". وأقرت سيرينا، ابنة ال38 عاما التي تحتاج الى لقب كبير وحيد من أجل معادلة الرقم القياسي المطلق لعدد القاب الغراند سلام والمسجل باسم الأسترالي مارغاريت كورت (24)، بأن التباعد الاجتماعي بسبب الفيروس تسبب لها "بالكثير من التوتر". وأشارت عبر تطبيق "تيك توك" الى أن "كل شاردة وواردة تصيبني بالجنون. وبالقلق الشديد، أعني بأني على حافة الهاوية. في أي وقت يعطس فيه أحد من حولي أو يسعل، أشعر بالجنون". وحتى قبل الفيروس، عانى رياضيون كبار من الاكتئاب الناجم عن الإرهاق والضغط والمتطلبات البدنية والذهنية، من سيرينا الى مواطنيها أسطورة السباحة والألعاب الأولمبية مايكل فيلبس والبطلة السابقة للفنون القتالية المختلطة روندا راوزي وأسطورة الملاكمة السابق مايك تايزون، وصولا الى النجم السابق لمنتخب نيوزيلندا في الروغبي جون كيروان. من المؤكد أن قرار إرجاء الألعاب الأولمبية في طوكيو حتى صيف 2021 سيترك أثره السلبي على آلاف الرياضيين الذي وضعوا وظائفهم اليومية جانبا من أجل تجهيز أنفسهم للمشاركة في هذا الحدث الأهم على الإطلاق بالنسبة لأي رياضي. وهذه حال الرباعة الأميركية كايت ناي التي أقرت لموقع "وود تي في" بأنه "سأكون كاذبة إذا قلت بأني على ما يرام. مثل معظم الناس، أنا أصارع بطرقي الخاصة"، في إشارة الى تشخصيها باضطراب ثنائي القطب. كما أثيرت مخاوف بشأن السباحين ولاعبي الكريكيت الأستراليين، بعد أن عانى الرياضيون في كلتا الرياضتين من مشاكل نفسية موثقة في الماضي. وتطرق مدرب منتخب أستراليا للرجال في الكريكيت جاستن لانغر الى هذه المسألة، بالقول "في ما يخص الصحة النفسية، تحدثنا عنها في مؤتمر عبر الهاتف هذا الأسبوع، لاسيما بخصوص أي من العاملين في طواقمنا أو اللاعبين الذين هم وحيدون في منازلهم. علينا أن نراقب هؤلاء الرجال والفتيات للتأكد من أنهم بخير". ورأت كارولين بروديريك التي شغلت سابقا منصب نائبة المدير الطبي لمنتخب أستراليا في أولمبياد ريو 2016 وتعمل الآن كأحد أعضاء لجنة استشارية لعصبة الروغبي الوطنية الى جانب وظيفتها كمسؤولة طبية في الجامعة الأسترالية لكرة المضرب، أن آثار العزلة يمكن أن تكون أكثر حدة على الرياضيين. وأوضحت "إنهم يعانون من نفس المشاكل النفسية التي يعاني منها الجميع، لكنهم يعانون أيضا من التوتر والقلق بشأن مستقبلهم، وهو أمر لا يمكنهم السيطرة عليه بسهولة. إنهم يجهلون ما هي المرحلة التالية أو المدة التي سيبقون فيها بالحجر الصحي أو العزل". وتحرك العديد من الهيئات الرياضية من أجل تقديم الدعم للرياضيين، لكن هناك بعض الرياضات التي لجأت الى خفض الرواتب من أجل تجنب الخسائر المالية الهائلة في ظل توقف المسابقات، ما يقلل من قدرتها على المساعدة النفسية. واعتبرت بروديريك أن تعاطي المخدرات أو تناول الكحول بشكل مفرط هما إشارة جلية الى المشاكل، موضحة "يمكن أن يتجلى التوتر والقلق في تعاطي الممنوعات. هذا ما سأبحث عنه (من إشارات)، إذا كانوا يستخدمون الكحول كوسيلة دعم". وتابعت بروديريك "بالتأكيد كان هناك بعض القلق. يمكن للرياضيين المحترفين الكبار أن يتعاملوا مع خسارة جزء من الدخل، لكن هناك الكثير من الرياضيين على الهامش (من ناحية القدرة المالية). إذا لم تلعب لبضعة أشهر، فهناك خسارة كبيرة في الدخل أيضا". وأوصت بروديريك الرياضيين الالتزام بالروتين، التركيز على ما يمكنهم التحكم به واستخدام وقت الفراغ لممارسة هواية أو التدرب عبر الإنترنت للحفاظ على صحتهم النفسية.