شيخوخة الأندية معضلتنا الأولى لو جردنا إحداث دوري شالنجر المستقبل في هذا التوقيت من كل الأبعاد التقنية والإستراتيجية التي تأسس عليها والتي تعطيه بعضا من الشرعية كمنافسة جاءت لتؤثت المشهد الكروي الوطني، هل نستطيع أن نقبل بفجائية القرار وأيضا بكل الذي يرمي إليه هذا الدوري في جوهره؟ باغثتنا لجنة البرمجة داخل الجامعة وهي تعرض المشروع على المصادقة داخل المكتب الجامعي وتحصل على الضوء الأخضر لإطلاقه، والمباغثة بصرف النظر عن صدق النوايا هي حالة تكاد تكون شاذة في العرف الإحترافي عندما يكون التدبير الكروي خاضعا بكل تفاصيله للفكر المقاولاتي والذي يضع أجندة لكل المسابقات ويحرص حرصه على الحياة أن يلتزم بتنفيذها. وإذا كنت مثل غيري لا أشكك في القيمة الفنية لدوري شالنجر المستقبل ولا أعترض على إقامته ولا حتى على جوهر الأهداف التي ينطوي عليها، إلا أنني كنت أفضل أن يكون دوري شالنجر المستقبل بروحه وبنصه، بمقتضياته وأيضا برهاناته على طاولة النقاش يؤخذ فيه على الأقل برأي مدربي الأندية الوطنية، ليتوصل الكل جامعة ورؤساء أندية ومدربين إلى أفضل صيغة وإلى أفضل توقيت أيضا.. تولدت فكرة دوري شالنجر من ملاحظة جوهرية وضعها مدرب المنتخب الأولمبي الهولندي بيم فيربيك على طاولة الجامعة تتمثل في أن أغلب العناصر التي تستجيب لمعيار الإنتقاء للعب للمنتخب الأولمبي دون 21 سنة لا تلعب أساسية لأنديتها، ما يعني أنها عناصر معطلة عن التنافسية، برغم أن الجامعة كانت قد تجاوبت مع الملاحظة في وقت سابق وأطلقت بطولة للأمل. وطبعا نتفهم ما عليه الناخب الأولمبي فيربيك من قلق حيال ضعف جاهزية العناصر المعول عليها لتكون نواة صلبة للمنتخب الأولمبي، ولكن هل سنجد في دوري شالنجر المستقبل ما يرضي فيربيك وما يرفع درجة الجاهزية عند العناصر الأولمبية التي تشترط مقتضيات الدوري التنظيمية أن يتواجد ستة منهم داخل كل مباراة مع إلزامية إشراك ثلاثة منهم على الأقل؟ وهل يعفينا هذا الذي يدفع تحت الإكراه للقبول بفكرة إطلاق دوري شالنجر المستقبل من أن نستفسر عن هذا الإختلال الهيكلي الذي يطبع عمل أغلب الأندية الوطنية ويفضي إلى غياب لاعبين من أعمار صغيرة داخل الفرق الأولى؟ بالطبع نتفهم حالة الإرتباك التي تسببت فيها مقتضيات الدوري لأغلب المدربين وهم يدعون إلى البحث عن عناصر (أولمبية) تستجيب كما وكيفا للمطلوب، فإما أن المدربين رضوا بالمحاباة للإلتزام بروح الدوري ولم يستفيدوا من المباريات التي خاضوها أصلا، وإما أن منهم من سيذهب بخاصة مع خسارته في المباراة الأولى إلى إشراك، فريق الأمل في مباراة الترضية ليبقي فريقه الأول في حالة من التركيز الكامل لمرحلة الإياب المصيرية.. وإذا كنا نستطيع أن نقدر ما عليه اليوم المدربون من حيرة لملاءمة إمكاناتهم البشرية مع ما يلزمه الدوري، فإننا ملزمون بتلمس الضوء الخافث الذي ينبعث من هذا الدوري، الضوء الذي يسلط على قضية مثيرة ومحزنة، قضية خلو الأندية الوطنية كلا أو بعضا من لاعبين دون 21 أو دون 22 سنة.. ونستطيع أن نفهم ما بات يفصلنا من مسافات عن الأندية التي لها طابع إحترافي في العمل، فهي أندية تفاجئنا ذات وقت بوجود لاعبين في سن 17 وفي سن 18 على درجة عالية من التكوين التكتيكي، التقني والفني والبدني والنفسي أيضا، عناصر لها صفة القيادية ولها القدرة على تحمل الضغط مهما كان رهيبا، ويدهشنا أن منها من يحقق كل الألقاب الممكنة ولم يصل إلى سن 23.. هل نملك جوابا مقنعا على هول الفارق؟ بالطبع، إن الفرق يكمن في التكوين بمستواه الأولى وبمستواه العلمي الدقيق الذي يرتكز على معطيات وعلى منظومة وعلى نسق منطقي.. لا يستطيع دوري شالنجر المستقبل مهما كان نجاحه وأنا موقن من أنه لن يكون كبيرا في إخفاء التشوهات، قد يجمل ولكن كل حقائقه بالتأكيد كاذبة، لأن الحقيقة المطلقة لهذا الذي توجد عليه كرة القدم الوطنية من عجز في إنتاج نخب مؤهلة للمنافسة قاريا وعالميا، هو أننا نوجد في مرحلة تحت الصفر من التكوين.. وإذا ما كان تجاوب الجامعة مع هواجس فيربيك قد قاد إلى دوري بهذه الفجائية في الإقرار وبهذه السعة الكبيرة من الأمل في صيانة المستقبل ينم عن وجود إرادة معبر عنها لستر كل العورات التقنية والتدبيرية، فإن مصلحة كرة القدم الوطنية حاضرا ومستقبلا تقتضي التعاطي بحزم مع موضوع التأطير والتكوين، بدعوة الأندية المصنفة في خانة النخب لافتتاح مراكز للتكوين تستجيب لمعيار الجودة والعلمية، وتفتح آفاقا رحبة لناشئة موهوبة تملك الملكات وطاقة كبيرة للحلم. وفي حث الأندية لدرجة الإلزام على افتتاح مراكزها إنصياع كامل للتحملات التي يلزمنا بها الإحتراف وعلاج حقيقي لمرض شيخوخة الأندية. ------------------- نستعيد نهاية هذا الأسبوع نغمة المنافسات الإفريقية والتي تدخلها أنديتنا على إيقاع الفرح والوجع، الفرح بما أنجزه إستثناءا رائعا وتاريخيا فريق الفتح وهو يتوج كرابع فريق مغربي بلقب كأس الإتحاد الإفريقي بعد أن سبقه إلى هذا اللقب بالذات كل من الكوكب المراكشي، الرجاء البيضاوي والجيش الملكي، والوجع الذي أسكنه فينا كل من الرجاء، الجيش والدفاع الجديدي باستعجالهم الخروج من الأدوار الأولى لعصبة أبطال إفريقيا وكأس الإتحاد الإفريقية في نسختيهما الأخيرتين بصورة لا نختلف على أنها كانت مذلة.. قد يكون ما قاد الفتح للإنتصار لحلمه ولطموحه هو ثقته بقدراته ومطابقة نفسه مع ضرورات الرهان الإفريقي، ولكن ما ساعد الفتح على إنجاز ذاك المشوار الأنطولوجي هو الإستقرار بمختلف أبعاده، إستقرار تقني واستقرار تكتيكي واستقرار معنوي، وقد أجمعنا وتذكرون ذلك أن ما عجل بخروج أندية الرجاء، الجيش والدفاع الجديدي هو عدم تطابقها بدرجات متفاوتة مع مستلزمات الرهان الإفريقي، فكلهم ما سقطوا ضحية ظروف أو مناخ أو ظلم تحكيم، وإنما سقطوا ضحية استهجانهم بالمنافسة الإفريقية، فقد كان مستفزا أن لا تتسلح هذه الأندية بشريا، تقنيا وماديا للذهاب لأبعد مدى.. اليوم تختلف الصورة نسبيا، فالأندية الخمسة التي تلقى على عاتقها مسؤولية مزدوجة، مسؤولية مزيد من تلميع الصورة ومسؤولية الإستثمار جيدا في إنجاز الفتح، كلها حضرت نفسها بما يعطيها القدرة على كسب الرهان، والرهان ليس هو بالضرورة الوصول إلى أحد اللقبين أو هما معا، ولكن الرهان الأول هو الذهاب لأبعد نقطة في سلم الحلم، ومتى حضرت الإرادة بشكل جماعي متى كان إطمئناننا كبيرا على أن سفراءنا الخمسة لن يدخروا أي جهد لصنع ملحمة إفريقية جديدة.. وقديما قيل «الأول عليه تعول»، ومتى صلحت البدايات متى كانت النهايات مفرحة وسعيدة..