كان الإسباني تشافي هرنانديز خلال مسيرته كلاعب كرة قدم، مثل قائد أوركسترا أنيق على مستطيل أخضر وسط 21 لاعبا فوضويا. الإثنين، أنهى قائد السد القطري حكاية مظفرة بدأت في ملعب كامب نو ببرشلونة، واختتمت على استاد آزادي في طهران. مباراة الجولة السادسة الأخيرة ضد برسيبوليس الإيراني ضمن منافسات المجموعة الرابعة لمسابقة دوري أبطال آسيا في كرة القدم، والتي خسرها فريقه الضامن العبور الى دور ال16 بنتيجة صفر-2، كانت الأخيرة لتشافي كلاعب، قبل شروعه في فصل جديد هو التدريب، والمتوقع أن تكون أولى محطاته تولي الإدارة الفنية لناديه الحالي خلفا للبرتغالي جوزفالدو فيريرا الذي خاض أيضا مباراته الأخيرة مع الفريق. مبدع خط الوسط الذي حمل شارة قيادة برشلونة، جمع خلال مسيرته كل الألقاب التي يمكن للاعب أن يحلم بها: كأس العالم، كأس أوروبا، مونديال الأندية، دوري الأبطال، الدوري والكأس في إسبانيا... كل ذلك لم يبعد اللاعب القصير القامة (1,69 م)، صاحب التمريرات المتقنة والنظرة الثاقبة، عن بداياته: شغف طفولي بكرة القدم. عبر حسابه على انستاغرام، نشر صباح الإثنين صورته وهو طفل، يرتدي زيا رياضيا ويحضن كرة بين ذراعيه، مع ابتسامة كبيرة على وجهه. تعليقه المرافق للصورة؟ "اليوم أخوض المباراة الأخيرة في مسيرتي كلاعب كرة قدم. لا زلت أذكر عندما كنت طفلا صغيرا: حماسة لعب كرة القدم، التمتع باللعبة مع أشقائي، شقيقتي، وأصدقائي". وأضاف "اليوم، في سن التاسعة والثلاثين، لا زلت أستمتع بالمباريات الاحترافية بالحماسة ذاتها. لهذا السبب كل ما يمكنني قوله هو: شكرا! (...) الى كرة القدم وكل الذين كانوا جزءا من حياتي الخاصة والمهنية". وتابع "سأفتقد الى الأبد شعور ركل الكرة على أرض الملعب". - هو والكرة... - على هامش مباراة اليوم، خص مسؤولو برسيبوليس النجم الإسباني بتكريم رمزي. قدموا له قبل صافرة البداية، قميص الفريق الأحمر موضوعا في إطار زجاجي كبير، وعلى ظهره اسمه والرقم الذي حمله في مسيرته (6). حملوا إليه أيضا تذكارات وباقة زهور، قبل أن يرد قائد السد التحية بالوقوف بجانب لاعبي الفريق الإيراني خلال الصورة التذكارية التقليدية لهم قبل المباراة. على أرض الملعب، كانت تصرفاته تشي بمشاعر متناقضة. عمليات إحماء سريعة مع نظرات عميقة دون تعابير على الوجه، قبل أن تظهر الابتسامة والتحيات الحارة كلما اقترب منه لاعب منافس لتحيته. بعد صافرة البداية، كان الهدوء المعهود سمة التواصل بين تشافي والكرة. في الدقيقة السابعة، "أوقف" المباراة ليبعد الكرة الى خارج الملعب، مؤشرا للحكم لوجود مشكلة فيها ويجب عدم استخدامها. طوال الدقائق ال95 التي أمضاها على أرض الملعب، تعامل مع الكرة بمداراة (ومرارة) المدرِك أنه على موعد لن يتكرر معها. استحواذ، سيطرة، مراوغة متأنية، وكأنه يريد لها أن تبقى بين قدميه لأطول فترة ممكنة، قبل أن يحين وقت ما لا مهرب منه، التمرير: قصير الى زميل قريب، أو في العمق، وغالبا في اتجاه الهداف الجزائري بغداد بونجاح. لمحته الخاصة أتت في الدقيقة 81، بركلة حرة متقنة في اتجاه مرمى الحارس الدولي علي رضا بيرنفند الذي أبعدها الى ركنية. وبعد صافرة النهاية، اختار أن ينهي مسيرته كما صورته على انستاغرام، حاملا الكرة ومتجها بها لتقديمها الى الحكم، قبل أن يحيي اللاعبين والمشجعين الحاضرين في مدرجات الملعب الأهم في إيران والذين حمل بعضهم صورته مع عبارتي "شكرا، ووداعا". - "نفتقدك منذ اليوم الأول" - جمع تشافي 34 لقبا في مسيرة بدأت مع الفئات العمرية لبرشلونة، ورافق خلالها أسماء مثل القائد السابق وقلب الدفاع كارليس بويول، وأندريس إنييستا "توأمه" في خط الوسط، والقائد الحالي الأرجنتيني ليونيل ميسي. دافع عن ألوان الفريق الأول بين العامين 1998 و2015، وتوج مرتين بثلاثية الدوري والكأس المحليين ودوري الأبطال (2009 و2015)، قبل أن ينتقل الى السد على خطى نجوم آخرين اختاروا إنهاء مسيرتهم في الدولة الخليجية التي تستعد لاستضافة نهائيات مونديال 2022. مع السد، توج بلقبي كأس الأمير وكأس قطر 2017، إضافة الى لقب الدوري الذي أحرزه الفريق هذا الموسم للمرة الأولى منذ ستة أعوام. لكن الزاد الأكبر يبقى لبرشلونة: معه أحرز لقب دوري أبطال أوروبا أربع مرات، والدوري الإسباني ثماني مرات، وكأس إسبانيا ثماني مرات. وفي الفترة الذهبية للمنتخب الإسباني، نال كأس العالم 2010 وكأس أوروبا 2008 و2012 خلال حقبة ذهبية مع إسبانيا. في رسالة كتبها العام الماضي بعد إعلان إنييستا رحيله عن برشلونة بعد مسيرة امتدت لنحو عقدين، قال تشافي إن زميله السابق "فاز بكل شيء، لعب بطريقة مذهلة، ويحظى بالاحترام أنّى كان في العالم. يرحل بالطريقة التي يستحقها، لأنه لم يتلفظ على الإطلاق بكلمة أو قام بحركة سيئة تجاه أي كان. انظروا الى الطريقة التي يحظى بها بالحب على امتداد العالم. قريبا ستعرف وتقدر ما قمت به من أجل كرة القدم، صديقي أندريس". لو لم تذيل هذه الرسالة بتوقيع تشافي، لكان بالإمكان - وبسهولة - ان تستخدم كلماتها لوصفه في يوم إنهاء مسيرته على المستطيل الأخضر. لكن اعتزاله كلاعب لم يمر دون كلمات معبرة من ميسي الذي يواصل الدفاع عن ألوان برشلونة، بعد رحيل العديد من أسماء الجيل الذهبي. قالها الأرجنتيني مطلع أيار/مايو "نحن نفتقدك منذ اليوم الأول الذي قررت فيه المغادرة، من أجل كل ما قدمته لنا في الملعب وخارجه".