مكنتني الزيارة الأخيرة إلى لشبونة البرتغالية لحضور مواجهة المغرب وأنغولا للوقوف على تاريخ أحد أعرق النوادي الأوروبية، نادي بنفيكا الذي شهد تحت كنفه ميلاد الأسطورة البرتغالية ذو الأصول الموزمبيقية أوزوبيو، كما شهد أيضا هذا النادي البرتغالي بروز إسمي كل من المغربيين عبد الكريم الحضريوي والطاهر لخلج، الأخير لازال متعلقا بهذا النادي الذي لعب له أربع سنوات، وكان هو مشكورا من دلَّل لنا الطريق رفقة الزملاء سعيد زدوق وعبد الصمد ولدشهيبة وعبد القادر بلمكي لسبر أغوار هذا النادي، ألقابه، بنياته التحتية، جانب من جمهوره، وكذا ملعبه الذي يعد تحفة أوروبية وأشهرها بالقارة العجوز· لم تكن الزيارة لنادي بنفيكا لتنتهي دون أن نكتشف جانبا آخر لأحد عوامل وأسباب نجاح الأندية الأوروبية·· الطاهر لخلج بأريحيته آثر أن نقف على جانب من الحصص التدريبية لإحدى الفئات العمرية الصغيرة، وكذا الأسلوب المتبع والطرق التنظيمية والسر الكامن أيضا في تفوق بنفيكا في السنوات الأخيرة بالبرتغال على صعيدة جميع الفئات الصغرى ومعانقتها لأغلب الألقاب المحلية·· كان وراء هذا السر شاب لا يتعدى عمره 28 سنة، إذ آثر الطاهر لخلج أن يأخذ من وقت المدير التقني هذا المضغوط ليقربنا أكثر من طريقة عمله ويحدثنا عن برامجه، لم يكن هذا الشاب سوى رودريغو المدير التقني لجميع الفئات العمرية لبنفيكا هو من يضع البرامج الأسبوعية ويسهر على تتبع كل صغيرة وكبيرة لكل لاعب لجميع الفئات بلا كلل ولا ملل، عمل يومي ينطلق من الصباح إلى الساعة العاشرة مساءا، حاول تقريبنا أكثر عن برامج عمله وتقنيات الحصص التدريبية من خلال جهاز الكومبيوتر المحمل بآلاف البرامج والخطط والمواضيع التي وضعها بنفسه والتي تهم كل ما يتعلق بالتكوين والبرامج لصنع اللاعبين· التوضيح الذي كان يقدم لنا عبر جهازه أشبه بمحاضرة تهم الجوانب النظرية والتطبيقية، فخلال شرحه كان يركز على أن اللاعب وهو في مقتبل العمر وخلال المراحل الأولى من التكوين التي تبدأ بنادي بنفيكا في سن السادسة أن يستأنس أولا بالكرة ويداعبها حتى تصبح جزءا منه وقد تطول هذه المرحلة إلى سن ال 14، حيث يدخل مرحلة الإعداد البدني· إلا أن أكثر ما كان يثير الإنتباه هو ذلك الحماس الظاهر على محيا المدير التقني الشاب والذي يؤكد حبه وعشقه للميدان الذي يشتغل به كسبب رئيسي لنجاحه، لذلك لم يكن غريبا أن يسعيد بنفيكا توهجه على مستوى الفئات الصغرى بعد تراجع شعر به مسؤولو النادي، فكانوا أن استنجدوا به وهو الذي درس بكلية الرياضة (ريو مايور) التي تخرّج منها أشهر المدربين البرتغاليين، أبرزهم خوصي مورينيو· لن نتفاجأ لنجاح بنفيكا في صنع لاعبين من أمثال روي كوسطا وتياغو وميغيل وباولو سوزا وفيرنانديز، مادام أن الفريق يؤمن بالعمل القاعدي والتكوين ويؤمن بالمواهب والإجتهاد لمؤطريه، فأن تضع الثقة في شاب لا يتعدى عمره 28 سنة لتدبير أمور قاعدة فريق من طينة بنفيكا قد نراه في المغرب من قبيل المستحيلات، لكن هؤلاء يؤمنون بالعمل والنتائج ومواهب مؤطريهم لنقول أن العبرة ليس في السن أو شهادة الميلاد، ولكن في العطاء وحب المهنة والإجتهاد، نقولها لمؤطرينا ومسؤولينا لأخذ العبرة من مسؤولي ومؤطري هذا الفريق القدوة، والتغيير لن يأتي ببناء مراكز التكوين وتشييد الملاعب، ولكن في العقليات التي ستشتغل وسط حيطانها وما يجري بداخلها·