الإنسان قادر بمنهج رب السماء والأرض، أن يهزم الكراهية بالمحبة، والتعصب بالتسامح، والرذيلة بالفضيلة، والظلم بالعدالة؛ لأن الإسلام دين الوسطية والتسامح والاعتدال، وبما يؤكد التعايش البشري، ومما لا ريب فيه أن الإنسانية لن تحيا، ولن تسعد، ولن تنال ما تسعى إليه من تعايش إنساني، إلا باستخراج كنوز ودرر هذا الإسلام، ونشر مفاهيم الحق والخير والسلام والعدل، في أرجاء الكرة الأرضية شرقها وغربها، لصيانة الإنسان حتى يستقر في مناخ من التكامل والتناغم الاجتماعي بين الناس جميعا، وبما يحقق إنسانية الإنسان الناجح ليحيا بنو آدم وبناته، في أمان وسلام والتزام وانضباط، قال تعالى: "وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الاَيات لقوم يفقهون" [الاَنعام، 99]. والله تعالى أعطى للإنسان في هذه الحياة ما يصلحه وينفعه، ويقود خطوات الإنسانية ويحقق طموحاتها نحو القيم الروحية، ويقظة الضمائر لتحسين العلاقة مع الله جل جلاله، ونشر العلم بما يرقيها أفكارا وسلوكا وأخلاقا قصد اكتشاف كنوز الأرض وفتح أبواب العلم والتغلغل في خباياه وأسراره برجال ونساء هم أساس الحياة، وعماد العمل الناجع، وآلة الوعي للتواصل الحضاري الإنساني، وإدراك ما هو قادم واستيعاب ما يمكن أن يكون، والقدرة على جذب الناس اتجاه القيم الروحية التي جاءت بها رسالة الإسلام، والوصول بالإنسانية بما يعين على التناغم والتلازم، والانسجام مع الكون الذي أوجده الله تعالى ليعيش الجميع فيه. ولا غرو أن الدين الإسلامي بتشريعاته السمحة، يحتضن كل البشرية، ويقر بالحق في الوجود والعيش لكل إنسان، بمواقف السلف رضوان الله عليهم، الذين أسسوا مناهج العالم على الحق والعدل، وأضاءوا بضوء الإسلام ونوره الوجود، وبما حملوه إلى الناس من اشرف تراث، ولا شك أن كل أسرة بمثابة كوكبة مباركة، تؤدي الأمانة الإلهية على أكمل وجه وهي توجه الأجيال ببصيرة ووعي ودقة تتناسب مع تطلعات وطموحات الإنسانية، وبما يزكي الجميع في معترك الحياة، ويزرع فيه الرحمة والحب والسلام، ويهذب الطباع وينبت الفضائل في النفوس، وإرشاد الخلق إلى اكتشاف أسرار الكون حتى يضعوا أيدهم على الحقيقة، ويكشفوا عن وجهها بإيمان تنعكس على صفحته روح الإسلام الإنسانية بأبعاد تجلياتها المختلفة. والإنسان استخلفه الله في الأرض لإقامة الصرح الاجتماعي السليم للإنسانية جمعاء، وليكون النموذج القدوة في الأقوال والأفعال والمعاملات حتى تستقيم الحياة؛ لأن المساواة والعدالة متساندة ومترابطة كل واحدة منهما تقود إلى تحقيق المراد والغاية، ولاسيما ما يتعلق بالإنسان ويجعله آمنا على نفسه، مكرما بين أهله، ووسط مجتمعه، وإذا وصلنا به إلى هذه المحطة، فمن السهل توثيق الصلة بالله سبحانه وتعالى لتقريب المجتمعات الإنسانية بإخلاص أكيد إلى الله تعالى بما يهدي الجميع إلى سواء السبيل، ومن خلال ذلك تتوثق صلة الناس ببعضهم، ليتيقن كل إنسان أنه أخ لأخيه الإنسان، فتزول الأحقاد، وتنمحي الكراهية والضغائن، وآنئذ يحس الجميع بتنقية الأجواء من الشوائب التي راكمتها أزمنة التصارم والتقاطع، ليحل محلها التعاون والتآزر والمشاركة الفعالة لسد ثغرات الأحزان والآلام والأسقام. وعصرنا الجديد هذا يحتاج إلى علاقات جديدة تصل المسلمين بغير المسلمين، بما يحفظ لكل إنسان هويته الثقافية والحضارية، ورصد عناصر الواقع في دقة واستقصاء، ووضع الأيدي في وضوح تام على جوهر التيارات الجادة لاستيفاء شروط النهضة المعاصرة، وهذا لن يتحقق إلا إذا تهاوت الأسوار الفاصلة بين الإنسان وأخيه الإنسان، والقضاء على حيرة تيارات الجمود والرتابة، والوقوف عند ظواهر النصوص والتقليد الأعمى لكل من هب ودب، ووضع اللمسات الأخيرة للتواصل مع العصر عن طريق تجديد الفكر، والإفادة من كل التجارب الإنسانية الناجحة، حتى لا يبقى مبرر لهذه الغربة التي تسيء الظن بالمسلمين، ولا مكان للتردد أو الانسحاب والعزلة السلبية، إذ لابد من الإقدام الإيجابي، حتى لا ننعزل عن القافلة الزاحفة بسرعة هائلة. والتنزيل أثبت رفضه الفصل بين الروحي والزمني، لذا وجب معاملة الله عز وجل بحسن العبادة، ومعاملة الناس بحسن الخلق، وهذا الاعتبار هو ما جاء به الإسلام، وعليه أسست حقوق الإنسانية الرفيعة في الحنيفية السمحاء، والسماحة في الإسلام يجب أن تكون حاضرة في مواطن الشدة والرخاء، ونعجب في هذه الأيام لمن يريد إحياء بداوة الفحش في القول والفعل، والغلظة المشينة في المعاملة، والإسلام يدعو أتباعه إلى إحداث التوازن بين الإنسان وأخيه الإنسان، ولو خلا كل إنسان إلى نفسه وفكر تفكيرا سليما لعلم أن الأراجيف هي التي تمهد الطريق لكل ناعق لذيوع الأباطيل، لكن عندما يشتد الضباب، فلابد من إضاءة الكشافات الإضافية التي حبا الله بها أهل الحق والخير، لتسير القافلة الإنسانية محققة التوازن الذي أراده الله سبحانه لعباده بالتمكين للدعوة الإسلامية في قلوب الناس بشخصيات لا تلغي عقولها، ولا تسلم زمامها لكل ناعق، وتنزيل أحكام الله على واقع يرونه ويمارسونه بإرادة وحرية؛ لأن الإسلام مستقر في قلوبهم على قاعدته، فهم مستريحون ومستراح إليهم. والإسلام خير دين غرس بذور المحبة في أبسط معانيها في قلوب الآباء والأمهات، لتقوم الأسرة بدورها الفعال في حياة الأجيال، ليجد ذلك الغرس المبارك الأرض الطيبة في قلوب الناس لنقل قيم الإسلام ومبادئه الإنسانية الأساسية إلى الناس أجمعين، لإبعاد شبح العنف والكراهية مع النفس أو مع الآخرين، فهي لا تقدم إلا النافع المفيد، وتضع الخطة المحكمة دون تسرع، فتغرس ما يمتع ويشبع ويقنع بالجديد الطريف، تتفرد بالتميز والإبداع، ليتصاعد مفهوم التعايش الإنساني إلى مستويات أوسع، ليتم تواصل الشعوب والأمم والأنظمة المختلفة جغرافيا وتاريخيا وحضاريا، ويشعر الجميع أن هذا المفهوم الإنساني مظلة السكينة والسعادة للدنيا بأجمعها، في وحدة إنسانية ذات قيم ومبادئ مشتركة ترقى بالإنسان الذي كرمه الله، وحمله أمانة إعمار الأرض وإصلاحها لترى الإنسانية حلم الأنبياء والمرسلين والفلاسفة والمصلحين في المعايشة الحياتية يتحقق. والإسلام يعتبر الأسرة هي مدرسة الحياة ألأولى التي في ظلها تترعرع الأجيال، وبتضحياتها الصامتة، وبذلها الذي لا حد له تقوم النفوس، وتصلح الأرواح، لتسود قيمة الاهتمام بأمر البشرية ككيان مترابط ومتكامل بهذا الإسلام، الذي سيكون للجميع شحنة خلاقة وراية خفاقة ترفرف في سماء الإنسانية هاتفة بقول الله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" [اَل عمران، 110]، نداء ينتقل إيمانا مشعا من قلب الإنسان المسلم إلى قلب أخيه الإنسان، يعلو الجميع تاج التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولاشك أن الأسر المجتهدة بتراثها الفياض، وفكرها المثمر، خير من يفتح أمام الدنيا أبوابا فياضة من نور الإسلام الكاشف، يهدي الحيارى الطريق السوي والنهج الواضح الجلي، لرؤية واقع إسلامي إنساني يتحرك على الأرض، لبناء الإنسان بناء متكاملا يوم يمتزج جوهر الإسلام في كيانه، ليكون ذلك البناء عاملا من عوامل نقل الإنسانية بأسرها من محيط إلى محيط، يشعر فيه الجميع بالقرب في الأخوة والعبء والأمانة والغاية والهدف. وعلى الله قصد السبيل